السبت، 3 أغسطس 2013

عطية الله حَكيم حفظه الله يحكي قصة تنكيل مغمورة بجانب قصص حقيقية يصعب تصديقها في سجن المباحث السعودي

 

باسم الله .. سأحكي قصة تنكيل مغمورة بجانب قصص حقيقية يصعب تصديقها ، ولست بها راجما بالغيب بل لن أشهد إلا بما علمت ، وسأنتهج الاختصار .

من هنا بدأت القصة ، عندما شارفت فترة التحقيق في سجن المباحث على الانتهاء دخلت إلى زنزانة ، ومن طبيعة الزنزانة وجود كتابات على جدرانها ،

هذه الكتابات دافعها تسلية الأسير لنفسه،فتجد عبارات حب واشتياق،وعبارات صبر وتثبيت،إلى غير ذلك ، فأردت تسلية نفسي فرسمت زنزانتي وجيرانها ،

رسمت رسمة عادية " متعرجة ، بدائية " ، وما لبثت حتى نُقلت إلى الجماعي ، وغداة ذلك الوقت كنت أطالب بعيادة أسنان لضرسي ، وكان الاتصال مقطوع ،

كان الأخوة يرفعون أصواتهم طلبا للاتصال وطلبا لطبيب الأسنان،عندها فتح الباب رقيب اسمه عائض الأسمري "أبو فارس" قال تريد مستوصف ؟ اخرج أوصلك ،

شعرت بالريبة وتفرست عن نية "غدرة" فأخذت مصحفي وساعتي وخرجت مغمم العينين ، ركبت السيارة وطال السير ، تعدينا الأجنحة المعروفة فزادت ريبتي ،

أوصلوني لجناح عشرة ، جناح العقوبات ، يسميه الأسرى "جناح التنكيل" ، أدخلوني غرفة ووجدت فيها ضابط اسمه جابر النجعي " أبو عبد الرحمن " ،

قال النجعي : وش عندك ؟ قلت أنتم ما خطبكم وماذا تريدون ؟ قال أنت ما تريد الجناح المثالي - جناح المشايخ الخالدي والخضير ..الخ ، قلت بلى ،

قلت بلى لكن هذا ليس المثالي،المكيفات مغلقة وشيء مريب هذا جناح عقوبة، فضحك وقال اكتب اسمك وسيرتك ، يريد أن يشابه الخط ، ففعلت وملئت الورقة ،

في هذه الأثناء كنت لم أصدق على أي تهمة، والإخوة يحذرونني منهم ويقولون لا تبصم على أي ورقة فهم يزيدون بين الأسطر .. فقال الضابط هات الورقة ،

قلت لم ؟ فاقترب مني فأخذت الورقة ومزقتها ورميتها في وجهه ، كنت أخشى من إدانتي بأسلوبهم الملتوي المعروف ، فاشتبك الضابط معي ونادى العسكري ،

عكفوا يدي وضربوني وشدوا غمامة العينين ، وأخرجوني إلى السيب صوب زنزانة بقيد وكلبشة، وبالمناسبة التهمة الملفقة هي " تخطيط هروب من السجن " !!

رسمتي لم تكن غير تسلية وهي لمكاني وما حولي فقط ، بيد أن السجن مدينة داخل مدينة ، لو خطط له ألبرت أينشتاين لوقف عقله أمامه !

في الطريق صوب الزنزانة كان قيد الرجل ضيق وهم يريدونني أن أهرول ، فصرت أوشك على السقوط فيرفعني العسكري من رقبتي كالبهيمة مرارا ،

أدخلوني الزنزانة وأبقوني على لحم بطني،بعد ساعات جاء عسكري ومعه تعهد يطلب تبصيمي،مضمون التعهد أنني أتبع تعليمات التعذيب ، لا أنام،لا أجلس...

جدوى التعهد عندهم أنه إذا جاء أهل المعتقل يقولون انظروا ابنكم غلطان وهذا تعهده وتبصيمه! رفضت وقلت سجني أساسا ظلم ونقلي هنا ظلم متراكم أيضا،

قال العسكري قم على رجليك وأنت تحادثني أنا بمثابة والدك ، قلت لست تساوي موطأ أبي ولو فعلت لي شيء سأرفع دعوى لمحمد بن نايف فضحك وخرج !!

تُركت في الزنزانة على لحم معدتي ، وبعد حوالي ست ساعات دخل رجل بلباسه الأسود وقال وش عندك ؟ قلت أنا المفروض أسألك ، خرج وأغلق الباب بقوة

عاد الرجل بعد برهة وقال " أنا مدري ليه أنت هنا لكن الي علي أنك تتبع تعليمات الجناح ، مخطي غير مخطي أنا علي ( ألعن جدفك ! ) " قلت لن أوقع ،

يقول العسكري عندما أقدم على التعذيب ( أنا علي أمانة ، وهي أني أفجر وجهك ، والي سيحاسب ليس أنا بل محمد بن نايف ) قالها بالحرف ..

عندما رفضت التوقيع وقلت لو أنني أخطأت لقبلت ، قام وفك قيد الرجل ووضع قيد اليد فيه لأنه ضيق جدا ، وربط قيد اليد بطريقة ملتوية حول الركبتين .

هذه طريقة يعملها العسكري ليقهر المعتقل ويذله ، إذا أحكم ربط الغمامة والقيد رجفه ليتقلب يمنة ويسرة كالكرة !
رابط دائم للصورة المُضمّنة

جعلني على هذا الحال لخمس أو ست ساعات وقد تمزقت أضلع ظهري ، ثم دخل وهو يضحك قال هاه ما تبي توقع ، قلت فكه حسبي الله عليك ،قال ما تريد زياده!

فك قيد الطريقة الملتوية وجعلني أقف على القدمين على السيراميك البارد ، وقد وضع قيد اليد الضيق في الرجل وأمرني بالوقوف وأخذ ساعتي ومصحفي

يكون الوقوف في العقوبة على القدمين مع الكلبشات ، وما تتحرك عن نصف الغرفة وإن رآك عسكري جالس نكل بك وأراك المهانة في أعلى ملامحها

العقوبة تمنع النوم بالليل وتمنع الجلوس حتى يأذن العسكري - قبل الفجر إلى الساعة ٦ أو ٧ على حسب العسكري المستلم ، ودورة المياه مرة فقط باليوم

دورة المياه مكشوفة في طبيعة الحال ، وعند احتياجك لها لا تتوفر إلا بوقت يحدده العسكري ، ويكون الذهاب إليها بقيد اليد، ويفكون فقط قيد الرجل !

كان في الزنزانة المجاورة أخ أعجمي غير عربي ، من خلال صوته عرفت أن فمه وُضع عليه لاصق ، والله إنه قطع قلبي ، يئن ويصرخ ليل نهار .

كنت وقفت عند ذكر الأخ الأعجمي ، فأقول والله شاهد أنه كان يئن بألم موجع يريد التخفيف ، وأنا لا أراه لكن أحلل عن طريق كلامه وأنينه ..

العساكر نسمعهم يلعبون " بلوت " ويتضاحكون والأخ الأعجمي يئن ، فدخل عليه عسكري وفك لاصق الفم وأخذ قطعة قماش وشدها بين شفتيه حتى لا ينزعجون !

سمعت صراخ الأخ الأعجمي يقول "يا أسكري يا أسكري هرام" ففتح الباب ونزع اللاصق ثم زاد صوته وهو يتنفس بشدة ثم تقطع الصوت فانكتم من قطعة القماش.

بقينا على حال العقوبة أيام،ومن العادة أن نستغل وقت تسليم العساكر بالاستلقاء على الأرض لدقائق لتليين الظهر والقدمين، دون معرفة العساكر بذلك.

أضربت أنا عن الطعام من أول يوم وانخفض السكر وسقطت مغشيا علي ، والعساكر من عادتهم ما يأتون بالممرض إلا إذا سقطت مغشيا عليك ..

هناك سياسة يتبعها العساكر مع المرضى من الأسرى ، نسميها سياسية التهميش ، يهمشون المريض ليعطونه انطباع اليأس والإحباط فلا يتعب نفسه ويعتصم .

في أول عشر أيام في فترة العقوبة كنت أعاني من تحجر الدم في قدمي ، لأنهم وضعوا قيد اليد الضيق في القدم،فكنت أستجدي العساكر ليفكوه ولا مجيب .

أريد فقط أن يستبدلوا القيد الضيق بالقيد المفروض للقدم، ولم يستجيبوا حتى انفجرت عروق قدمي عندها أرسلوني إلى عيادة لأجل الدم المنفجر والسكر .

في العيادة قابلني ضابط خفر ، قال وش عندك ؟ قلت لا أعلم ! قال أنا قرأت أوراقك وحصلت أنك أتيت للعقوبة بأمر من رئيس الشعبة - اسمه زيد الموسى .

قال لي ضابط الخفر : نحن ما ندري عن السبب لكن سأستفسر وأرد لك ، قلت خافوا ربكم ع الأقل أريد فرشة وسجادة وجيك ماء ومخدة وأريد مصحفي وساعتي !

في ذلك الوقت كنا في فصل الشتاء والجو بارد جدا بيد تشغيل التكييف،ولا يوجد بالزنزانة فرشة أو سجادة أو لحاف للنوم لا يوجد فيها شيء غير سوادك !

للأمانة في بعض الأحيان يأتي عسكري ليّن نوعا ما فيعطيني مصحفي ويأتي غيره ويسحبه وكذا الساعة ، وبدون الساعة لا نستطيع معرفة وقت الصلوات !

العساكر يضربون البيبان بالعصي بين الفينة والأخرى، حتى لا ينام من وصلت به الدوخة مبلغها ، وبالمناسبة فإن التسهير بهذه الطريقة قد يفقد العقل!

قرب شهر على هذا الحال ، منع النوم والتسهير ، وقوف على الأقدام مع الرجف والربط ، منع دورة المياه ، منع زيارة واتصال ولعب في الحرب النفسية .

بعد ما يقارب الشهر على هذا الحال دخل علي المدعو زيد الموسى وقال : وش عندك ، قلت ما أعلم ، أنا كنت أطالب بالمستشفى والاتصال فأردوني هنا !!

قال المدعو زيد الموسى : فك اضرابك وأنقلك للجماعي وأنهي عقوبتك ، فكيته ثم نقلني في الغد . في الطريق إلى الجماعي كان التعامل لا بأس به .

غداة انتقالي من جناح التنكيل سمعت أنين أخي الأجنبي وتفطرت كبدي عليه ، صراخه هو هو ولا يوجد فتات رحمة عند العساكر ، عاملهم الله بما يستحقون.

أهـ . تلك شهادتي في فصل من فصول الجور والطغيان والتنكيل في حق الأسرى،ولم تكن رجما بالغيب بل ما شهدنا إلا بما علمنا،والله على ما نقول شهيد .

المباحث في بلاد الحرمين يحملون أعنف العقليات،ويفعلون أنكر الجرائم،أمنوا العقوبة فأجرموا أيما إجرام ، وترك الأسرى لمصيرهم أمام أولائك جريمة.

الأسرى في سجون المباحث ضحايا ، إنهم ضحايا صمت ، والسكوت عن الدفاع عنهم جريمة لا يفعلها إلا من يحمل أنانية لا تليق بالمسلمين !!

محمد بن نايف الان يخاف أن يعرف الشعب التضحية وثمنها، والحرية وغلاوتها، والسكوت ومرارته، والذل وضريبته، إنه يخشى من الشرف والمروءة والكرامة.

محمد بن نايف يخاف أن يعرف الشعب أن حرية المؤمن والموت في سبيلها خير من حياة الذل والعيش في سبيلها !!

الاعتصامات والمظاهرات وغيرها من الوسائل السلمية في سبيل تحرير الأسرى واجبة على كل قادر في النقل والعقل ، ولم يكن الخوف عند الأحرار عذر.