الخميس، 19 ديسمبر 2013

المحكمة الجزائية المتخصصة " الأمنية " نظرة من الناحية الشرعية والنظامية * سليمان بن ناصر العلوان .

بسم الله الرحمن الرحيم


 المحكمة الجزائية المتخصصة " الأمنية "
نظرة من الناحية الشرعية والنظامية


     *  سليمان بن ناصر العلوان .


بسم الله الرحمن الرحيم


لا يخفى على كل عاقل حاضر الذهن، ما حصل من أحداث وتقلبات في العالم الإسلامي، خلال العقد المنصرم، من غزوٍ صليبي لبلاد المسلمين في أفغانستان ثم العراق، وما صاحب ذلك من أحداث جسامٍ كان لها وقعها في قلوب المسلمين .
حيث استنفر الغرب خلال ذلك الغزوِ دول العالم أجمع، لتكون سائرةً في ركابه، وحليفةً له في همجيته، ولتكون بلاد المسلمين المستهدفة، لقمةً سائغةً ومنالاً سهلاً لجيوشه الغازية، ولتكون في معزلٍ عن الولي والنصير من المؤمنين، وليتفرد الصليبيون وأحلافهم من الرافضة الأنجاس ببلاد المسلمين، وليكونوا في مأمنٍ من أن تقوم رايات الجهاد في سبيل الله .
فعمل الإعلام العالمي دوره في تضليل المفاهيم، وتزوير الحقائق، وإرهاب المؤمنين، وتبعه في ذلك الإعلام العربي مقلداً له وسائراً على خطاه، مشوهاً صورة المجاهدين، واصماً إياهم بكل نقيصة، رامياً إياهم بكل تهمة، حتى نفرت منهم كثير من النفوس المريضة، والعقول القاصرة، ومن ليس له علم ولا بصيرة بالدين، فسمي الجهاد في سبيل الله إرهاباً، وقام الحكام بعقد المؤتمرات، تلو المؤتمرات لحرب ما يسمى بالإرهاب ويعنون به " الجهاد في سبيل الله"  فأصبح من يجاهد في سبيل الله بنفسه أو يدعم المجاهدين بماله، إرهابياً يستحق أقصى أنواع العقوبة، وشيدت لذلك السجون وبنيت المعتقلات، واستمر الإعلام يحدث الكذبة تلو الكذبة، ويزور الوقائع على المجاهدين ومن يواليهم، ويشحن نفوس العامة والخاصة على هذه الفئة المجاهدة، ويصفها بأوصاف الجور والبهتان، وأنهم هم العدو الأخطر على البلاد والعباد، وأنهم إرهابيون لا عهد لهم ولا دين، ولا ميثاق لهم ولا ولاء، وأنهم عملاء لدول أجنبية، حتى رسم الإعلام العميل في كثير من النفوس الغافلة، بأنه يجب الخلاص من المجاهدين ومن ناصرهم أو تعاطف معهم .
ولأن أمة الإسلام أمة عظيمة، فإنها لم تكن لتُعدم رجالاً أوفياء، على علمٍ بشريعة الله، وعلى بصيرة من مكر الكافرين، وخداع المنافقين، فتألقت أروحهم للجهاد في سبيل الله، ومناصرة القائمين به، فلم تثن التهديدات من عزائمهم، ولم تُضعف المؤامرات من قواهم، تجري دماء العزِّة في عروقهم، وتتردد أنفاس الكرامة في أجوافهم، قومٌ لا يستسيغون الذل، ولا يستكينون إلى الهوان، ولا يرضون أن يستبيح العدو حماهم، فنهضوا مستجيبين لله، مجاهدين لأعداء الله، مرخصين النفس والمال إعلاءً لكلمة الله، وذوداً عن شريعة الله .
ومن هنا قامت وزارة الداخلية ممثلةً بإدارة المباحث العامة، مدعومة بالقوى العسكرية، بالمداهمات، في سائر المناطق والمدن، ومحاصرة للمساكن والأحياء، في ترويع للنساء والأطفال ، وانتهاك لحرمات البيوت، وإيذاء للمؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا . 
فتم اعتقال كثير من الشباب المؤمن الذي استمسك بشريعة الله، وقام بنصرة دين الله، وظل كثير منهم يقبع خلف أسوار السجون التي تشرف عليها وزارة الداخلية، يعاملون معاملةً قاسيةً، لا تمت للإنسانية بصلة، ومكثوا في هذه المعتقلات بضع سنين بل تزيد، ولا زال أكثرهم على تلك الحال البائسة، دون أن يقدموا لمحاكمة شرعيةٍ عادلة عاجلة، أو أن يعاملوا بالحسنى ويطلق سراحهم معززين مكرمين .
ثم بعد ما يزيد على ثمان سنين من السجن والاعتقالات، أنشأت وزارة الداخلية  "المحكمة الجزائية المتخصصة "الأمنية"  ثم أنشأت أيضاً محاكم استئناف خاصة لتدقيق ما يصدر من أحكام من هذه المحكمة المتخصصة ، وأعلنت وزارة الداخلية أنها ستتم محاكمة المتهمين (بالإرهاب)!!! في هذه المحاكم .

وبعد هذه المقدمة: فإن لنا وقفات مع هذه المحكمة المزعومة، ومن حق المظلوم أن يقول ما يدافع به عن نفسه، ويزيل به الضرر الذي يسعى إلى تحقيقه فيه خصمه، وأن يُبينَ للناس أنه مظلوم، وأن الظالم مهما تظاهر بالعدل فإنه كاذب و"إن لصاحب الحق مقالاً" .
وهي سبعون وجهاً اكتفيت بها على تبيين بطلان هذه المحكمة، وبطلان أحكامها، وأنها أحكامٌ صادرة عن غير فقه ولا علم، وأنها لا ترتبط بالشريعة الإلهية، وأن هؤلاء القضاة لم يحكموا بالشرع المنزل فيما يخص هذه المحاكمات ضد المتهمين بالجهاد في سبيل الله، وأن عامة أحكامهم مبنية على الظلم والجور، والله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، وأمر بالعدل والقسط في الحكم بين الناس، فالعدل أصل كل خير، والظلم والجهل أصل كل شر، قال الله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، ولِما أخذه الله على العلماء من الميثاق، وضرورة البيان ونصرة الحق، ودحض الباطل، ومعونة المظلومين، ومناصرتهم على الظالمين، وحماية الشريعة والعلم والدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كتبت هذه النظرة الشرعية .. في رد أحكام المحكمة الجزائية " الأمنية" مع بيان الأنظمة التي تشهد ببطلان هذه المحكمة وأحكامها ، وتنقضها من أساسها .

وإن كنا لا نحاكم الآخرين إلى الأنظمة، فإن الأنظمة على قسمين:
1 ـ قسم يخالف الشريعة فهذا موضوع تحت الأقدام .
2 ـ وقسم لا يخالف الشريعة ولا يناقضها فهذا يكون الشرع قد دل عليه، وإنما أردنا به تنبيه الناس، وتذكير الحكومة على أن الأنظمة التي يتكثرون بها في المحافل لا يطبقونها، وأن القرارات الدولية التي يتحججون بها لا يلتزمون بها على أنفسهم،  وحين تكون موافقة لأهوائهم فإنهم يحاكمون الناس إليها .

وأبدأ بأسباب رفض هذه المحكمة من الناحية النظامية:
1ـ أن إنشاء هذه المحكمة مخالف للميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي وقعت عليه المملكة عام 2004م والذي أصبح واجب النفاذ في مارس 2008م حيث نصت الفقرة الأولى من المادة (13)  من الميثاق على: " لكل شخص الحق في محاكمة عادلة تتوافر فيها ضمانات كافية وتجريها محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة ومنشأة سابقا بحكم القانون. وذلك في مواجهة أية تهمة جزائية توجه إليه أو للبت في حقوقه أو التزاماته...". وهذه المحكمة لم تنشأ سابقاً وإنما أنشئت لاحقاً بعد سجن المتهم .
2 ـ أن هذه المحكمة تتعامل مع الخصوم بحيف لطرف على طرف، فقد نصت المادة (153) من نظام الإجراءات الجزائية: على أن "يحضر المتهم جلسات المحكمة بغير قيود ولا أغلال.." وهي تتعامل مع الطرف الأضعف بخلاف ذلك . 
3ـ أن قضاة هذه المحكمة قبلوا العقوبة قبل الحكم، وعلموا بالظلم المتعمد من وزارة الداخلية، دون أن يرعوا ذلك اهتماماً في أحكامها، وقد نصت المادة (15) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان المشار إليه بأنه: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي سابق، ويطبق في جميع الأحوال القانون الأصلح للمتهم " وكذلك المادة (16) منه والتي تنص : "أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم بات وفقا للقانون " وكذلك المادة (36) من نظام الإجراءات الجزائية والتي تنص: "..لا يجوز لإدارة أي سجن أو دار توقيف قبول أي إنسان إلا بموجب أمر مسبب ومحدد المدة موقع عليه من السلطة المختصة، ويجب ألا يبقيه بعد المدة المحددة في هذا الأمر".
4ـ أن هذه المحكمة تحكم على المتهم بالجهاد في سبيل الله، بما هو موافق لوصف المدعي العام، بأنه متهم بالإرهاب، وهذا تضليل وتغيير للمصطلحات الشرعية، وهذا مخالف للمادة : (159) من نظام الإجراءات الجزائية والتي تنص: " لا تتقيد المحكمة بالوصف الوارد في لائحة الدعوى، وعليها أن تعطي الفعل الوصف الذي يستحقه ولو كان مخالفاً للوصف الوارد في لائحة الدعوى.." . 
5ـ أن هذه المحكمة لا تستمع إلى تفاصيل جواب المتهم بالجهاد في سبيل الله، وإنما تكتفي بدعوى المدعي العام بما فيه من تزوير للحقائق وهذا مخالف للمادة : (162) من نظام الإجراءات الجزائية والذي ينص : " إذا اعترف المتهم في أي وقت بالتهمة المنسوبة إليه فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتناقشه فيها.. " وهؤلاء يحكمون ولا يحاورون السجين ولا يناقشونه، وبقولون له وهو مكبل بالحديد: تصادق على هذه الأقاويل؟ ، وهي أقاويل مأخوذة منه بالنار والحديد في السجون، ويحكمون عليه بمصادقته، وقد يكون الصواب معه ، والرد إلى الله ورسوله واجب بالإجماع، ولا يجوز الحكم على المجاهدين دون سماع أدلتهم وحججهم .
6ـ أن هذه المحكمة تَعتَبِرُ أن الحقَّ هو ما تنتهجه وزارة الداخلية، وأن مخالفة ذلك النهج جريمة توجب العقوبة، دون النظر إلى أن هذا النهج هل يتفق مع نصوص الشريعة أم يخالفها؟، وهذا يجعل رفض التحاكم إلى هذه المحكمة وقضاتها واجباً، وأن حكمها مردودٌ شرعاً، وهذا الاعتبار أيضاً مخالف للمادة :(182) من نظام الإجراءات الجزائية والتي تنص: "كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً " .
7ـ أن هذه المحكمة أُنشئت لتحاكم أناساً مخصصين، ولو كانوا في خارج اختصاصها المكاني، وهذا مخالف للنظام المعمول به، فقد نص نظام تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية في مادته : (5) على: أن (الدعوى لا تقام إلا في بلد المدعى عليه إذا كان داخل المملكة ) ، ثم صدر نظام المرافعات مقررا لذلك حيث نصت المادة : (34) منه على أن ( تقام الدعوى في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة المدعى عليه ) ، وأكثر المدعى عليهم في هذه المحكمة يقادون بالسلاسل من أماكن إقامتهم إلى المحكمة، وهي ليس لها عليهم ولاية مكانية، وليس للسجناء استثناء من ذلك، فقد جاءت المادة : (10) من نظام المرافعات الشرعية بنص ذلك "وبالنسبة للموقوفين والسجناء يعد محل إقامة الشخص المكان الموقوف أو المسجون فيه.." . 
8 ـ أن ما يصدر من هذه المحكمة من أحكام بحق المتهمين بالجهاد في سبيل الله، هو باطل، ولا يجوز الاعتداد به، ولانفاذه؛ فالمحكمة هذه ليس لها ولاية قضائية على المتهم، وقد نصت المادة: (189) من نظام الإجراءات الجزائية : "إذا كان البطلان راجعاً إلى عدم مراعاة الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى فيتمسك به ـ أي البطلان ـ في أي حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به ـ أي بالبطلان ـ المحكمة ولو بغير طلب" . 
9ـ أطراف النزاع في هذه القضايا، هي وزارة الداخلية ممثلة بالمدعي العام نيابة عنها ـ طرف مدعي ـ والمتهمين بالجهاد في سبيل الله ـ طرف مدعى عليه ـ ، والطرف المدعي هو من صادق، على هذه المواد المذكورة آنفاً، والتي تنص على بطلان هذه المحكمة من الناحية النظامية، كما هو مذكور ومبين في المادة : (223) من نظام الإجراءات الجزائية ونصه: "يُصدر مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية لهذا النظام بناءً على اقتراح وزير العدل بعد الاتفاق مع وزير الداخلية"  فلَمَّا لم يكن هذا النظام يخدم دعوى وزارة الداخلية ضد المتهمين بالجهاد في سبيل الله، عمل على استحداث هذه المحكمة، التي تخدمه في دعواه ضد خصمه .
10ـ وزارة الداخلية خصم رئيس في هذه المحاكمات، وقد أنشأت هي هذه المحكمة تحت إشرافها، واختيار القضاة كان بموافقتها، وقد جُعِلَت لهؤلاء القضاة من المزايا والمخصصات والأعطيات التي ليست لغيرهم من القضاة في المحاكم الأخرى، وهذا يوجب بطلان هذه المحكمة لكونها مهيأة للانحياز لطرف على أخر، وهذا مخالف للمادة : (92) من نظام المرافعات الشرعية ونصه: "يجوز رد القاضي لأحد الأسباب التالية : " .. د ـ إذا كان أحد الخصوم خادماً له، أو كان القاضي قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته، أو كان قد تلقى منه هدية قبيل رفع الدعوى أو بعده  هـ- إذا كان بينه ـ أي القاضي ـ وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بدون تحيز " ولهذا فالمطالبة برد هذه المحكمة برمتها سائغ نظاماً وقبل ذلك شرعاً، وقد نصت المادة (94) من نظام المرافعات : " إذا قام بالقاضي سبب للرد ولم يتنح جاز للخصم طلب رده " .
11ـ أن هذه المحكمة تستقبل الخصم الأقوى معززاً مكرماً، وتستقبل الخصم الأضعف مقيداً، وتستمع للطرف الأقوى في هذه الخصومة، وتقرأ تفاصيل ما سطرته يداه من دعاوى عامتها كيدية ومزيفة، ومنتزعة من خصمه تحت التعذيب والإكراه، بينما لا تستمع ولا تناقش الخصم الأضعف، ولا تريد منه إلا التصديق على ما ادعى به خصمه، دون تفاصيل، وهذا موجب لبطلان هذه المحكمة، ورد قضائها، وقد نصت المادة : (100) من نظام المرافعات الشرعية على أن : " للمحكمة أن تستجوب من يكون حاضراً من الخصوم، ولكل منهم أن يطلب استجواب خصمه الحاضر " وهذا حاصل لطرف دون طرف .
12ـ وهذه المحكمة انتقائية في حكمها، فهي تسمع من المدعى عليهم "المجاهدين" ما يوجب إدانتهم لديها، ولا تستمع منهم ما يوجب براءتهم، وهذا موجب لرد هذه المحكمة وحكمها، ورفض التحاكم إليها، وقد نصت المادة : (106) من نظام المرافعات الشرعية على ما يلي: "لا يتجزأ الإقرار على صاحبه فلا يؤخذ من الضار به ويترك الصالح له بل يؤخذ جملة واحدة " .

أسباب رفض هذه المحكمة من الناحية الشرعية: 
1ـ أن هؤلاء القضاة خصوم للمدعى عليهم "المجاهدين" ومتهمون عند المجاهدين، وبمقدورهم إثبات التهم عليهم، وقد نُصبوا من قبل خصمهم للنظر في هذه الدعاوى خاصة، في حين مُنع من النظر في هذه الدعاوى القضاة الآخرون، والخصم لا يحكم على خصمه بالإجماع ويعد حكمه لاغياً وباطلاً .
2ـ أن المجاهدين في سبيل الله مطيعون لله ورسوله r ، ومتبعون لإجماع أهل العلم في الدفاع عن أراضي المسلمين وأعراضهم، فمن صدهم عن ذلك، فهو عاصٍ لله ورسوله، ومن حكم عليهم بالحبس ولو ساعة واحدة كان حكمه باطلاً، لأنه معصية لله ورسوله r ، وتسمية الجهاد بغير اسمه لا يغير من الحقائق شيئاً، لذا وجب رد هذه المحكمة التي ما أنشئت إلا للحكم على المجاهدين ومن ساندهم .
3ـ أن هذه المحكمة تحاكم المجاهدين في سبيل الله بتهمة عصيان ولي الأمر، وولي الأمر بمنعه الجهاد والدفاع عن أراضي المسلمين يعدُّ عاصياً لله ورسوله r، ومخالفته في هذا لا تعد معصية، والحاكم إذا أمر بفعل الحرام أو ترك الواجب لم تجب طاعته بالإجماع، ومن أطاعه في هذا كان عاصياً لله ورسوله r، ومخالفاً لإجماع المسلمين، وقضاة هذه المحكمة لا يعتبرون بهذا المنطلق الشرعي، وعلى هذا فإنه يجب رد هذه المحكمة وعدم قبول التقاضي فيها .
4ـ أنّ القول بأن هؤلاء المجاهدين في سبيل الله مخالفون لطاعة ولي الأمر غير صحيح، لأن هؤلاء يجاهدون في ديار غير دياره، ولا تقع تحت ولايته .
5ـ أن قضاة هذه المحكمة الذين يحكمون على المجاهدين بسبب جهادهم في سبيل الله، يكونون مانعين لفريضة الله، صادين عن سبيل الله، ومن فعل هذا سقطت عدالته، ومن سقطت عدالته لم يصح حكمه .
6ـ تصدير الحكم على من خرج للجهاد في سبيل الله بالسنوات الطويلة، ظلم لا تقره الشريعة، ولا يرضاه الله ولا رسوله r، وهو موجب لرفض هذه المحكمة التي تعين الظالم على ظلمه.
7ـ أن هذه المحكمة وقضاتها لا يحكمون بشرع الله، وكل مَنْ لم يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ، فحكمه باطل وقضاؤه لاغٍ، ولا يردون ما يتنازع فيه الخصوم إلى الله ورسوله r، وإنما يجعلون رأي ولي الأمر هو الفيصل عند النزاع، وهذا مخالف لكتاب الله وسنة رسوله r، والرد إلى الله وإلى الرسول r واجب بالإجماع، وهذا يوجب رد هذه المحكمة وعدم جواز الترافع إليها .
8ـ أن هؤلاء القضاة يحكمون على المجاهدين في سبيل الله بموجب تقارير رجالات المباحث، وهذا باطل، ولا ينفعهم القول بأن القضاة يسألون السجين عن هذه الأقاويل المنسوبة إليه، لأن هذه الأقاويل منتزعة بالقوة، والقضاة يعلمون ذلك، ويعلمون أنّ السجين إذا لم يصادِق على هذه الأقاويل عاد إلى السجن مرة أخرى، ولقي أصناف العذاب، فصار السجين مكرهاً، ولا قول للمكره، والقضاة يعلمون ذلك، ومن حكم على مكره وهو يعلم، فهو ضالٌ مفسد في الأرض .
9ـ أن من حكم على مَنْ تحقق إكراهُه فهو جاهلٌ أو صاحب هوى، وهذا لا يصلح أن يكون قاضياً، ولا تَنْفُذ أحكامه .
10ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على المجاهدين لمناهجهم وليس لقضاياهم، وقد حكموا على غير واحد على نية الخروج للجهاد في سبيل الله وهو لم يفارق بلده، وهذا يدل على أنهم أهل تحامل، وأهل هوى لا عدالة لهم، ومن سقطت عدالته فحكمه باطل .

11ـ أن أحكام هؤلاء القضاة تقتضي أنهم لا يعرفون ما قاله علماء المسلمين في الجهاد في سبيل الله ووجوب الدفاع عن المسلمين، ومن لم يعرف ذلك ليس له الحكم، فإذا حكم كان حكمه باطلاً لا يعتد به .
12ـ أنه على تقدير الخطأ في اجتهاد المجاهدين، لم يجز حبسهم ولا جلدهم، فإن من أخطأ في مسائل الاجتهاد لا يعزر بالجلد والحبس، ومَنْ فعل هذا فهو ظالم وحكمه باطل، وأنه على تقدير الخطأ على المجاهدين، والقول بتعزيرهم، فإنه لم يجز تعزيرهم بالحبس الطويل قبل إقامة الحجة عليهم، وإزالة الشبهة، وهؤلاء القضاة لم يفعلوا شيئاً من ذلك فيبطل حكمهم .
13ـ أن المدعى عليهم بتهمة الجهاد في سبيل الله، احتجوا على جهادهم بالكتاب والسنة، وإجماعات منقولة للأئمة، ولم يأت القضاة بشي ينقض ذلك أو يعارضه، فحكموا عليهم بالحبس مددا طويلة ـ جهلاً أو هوى ـ وهذا مخالفة صريحة للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ومن فعل هذا فهو ضال مضل ساقط العدالة وحكمه باطل .
14ـ أن رفض هؤلاء القضاة مقارعة الحجة بالحجة، وإعراضهم عن تحكيم الكتاب والسنة بموارد النزاع، محرم بالإجماع، وهذا يسقط أحكامهم، ويبطل التحاكم إليهم .
15ـ أن قول الحاكم في مسائل النزاع كقول أحاد الرعية، يجب رده إلى الكتاب والسنة، فيقبل منه ما وافق ذلك، ويرد منه ما خالفهما، وليس للحاكم طاعة مستقلة، وهذا ما لا يعمل به قضاة هذه المحكمة، وهذا يوجب رد التحاكم إليهم .
16ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على المجاهدين بالشبهة، ولو لم يعترف ولم توجد عليه قرائن، وهذه الشبهة التي استندوا إليها، هي التهم الملفقة من قِبلِ رجال المباحث، فمن اتهمه رجال المباحث، جعلها القضاة شبهةً في المحكوم عليه، مذيلين الحكم بأنه تعزيري، تورعاً أن يظن المحكوم عليه أن هذا الحكم حدٌ،  أو أنه حكم الله ورسوله r ، وهذا حكم باطل، ولا وجه له .

17ـ أن قضاة هذه المحكمة غير معروفين بالرسوخ في العلم والفهم والفقه، فضلاً عن الاجتهاد، وقد ترخصوا بالاجتهاد في أحكامهم على المجاهدين، في مسائل يجب ردها إلى الله ورسوله r، ومن اجتهد في شيء لم تتوفر فيه شروطه، فاجتهاده باطل ولا يجوز أن يفصل بين متخاصمين .
18ـ أن قضاة هذه المحكمة إن كانوا يرون أنفسهم مقلدين في تصدير أحكامهم على المجاهدين في سبيل الله، فإنهم ـ حقيقة ـ لم يقلدوا أحداً في هذه الأحكام، ولا يستطيعون إثباتها ولا ما شابهها عن أحد من علماء المسلمين، فبطل حكمهم على المجاهدين .
19ـ أن قضاة هذه المحكمة ينقضون أحكاماً لا تزال سارية صادرة من قضاة آخرين، قضوا بها قبل إنشاء هذه المحكمة، ويعيدون المحاكمة دون تجدد القضية، ويزيدون في الأحكام ، وهذا باطل لا يصح التحاكم إلى من هذا قضاؤه، ونقض الحكم دون أن يثبت الخطأ بدليل من الكتاب والسنة باطل بالإجماع .
20ـ أن قضاة هذه المحكمة يعتبرون أنفسهم أداة تأديب لمن يخالف أمر الحاكم، ويجهلون أن القضاء هو حكم بين المتخاصمين بما يتوافق مع كتاب الله وسنة رسوله r، فلذا تراهم يصدرون أحكاماً، تتوافق مع رغبات الحاكم، ويكون فيها من التجني على المتهم بالجهاد في سبيل الله بالسجن لسنين طويلة، أو الحكم عليه بالاكتفاء بما أمضاه من مدة في سجنه ولو كان قد أمضى عشر سنين أو تزيد، ليلبسوا تجاوزات الحاكم لباساً شرعياً، وهذا مما يظهر بطلان هذه المحكمة ويبطل حكم قضاتها .
21ـ ولو قدر أن المتهم بالجهاد في سبيل الله، على خطأ ويستحق التعزير، فيجب أن يكون التعزير بحجم الخطأ، فمن زاد في العقوبة كان ظالماً وحكمه باطل، وهذا ما لا تعرفه هذه المحكمة وقضاتها .
22ـ أن من حكم على آحاد الناس بحكم، وهو يعلم أن هذا الحكم سيكون وسيلة إلى ظلمه في حبسه ومنعه حقه ولا يعامل معاملة آدمية، لم يحل له هذا القضاء، ولا يجوز إعانة الظالم على ظلمه، ووجب عليه نصر المظلوم، وهذا ما يعلمه قضاة هذه المحكمة ولا يعملون به مما يوجب رد أحكامهم أو التقاضي إليهم .
23ـ لا يحل للقاضي أن يحكم لقومٍ إذا كانت الحكومة لهم لا عليهم، جاؤوا سامعين مطيعين، وإذا كانت عليهم ، أعرضوا عنها ودعوا إلى غير الحق، وهذا ما تفعله هذه المحكمة وقضاتها .
24 ـ أن الدولة في هذه المحاكمة خصمٌ للمجاهدين، فلابد من العدل، ومن لم يقدر على العدل في حكمه فلا يجوز له الحكم بين خصمين متنازعين، ومن مال في حكمه إلى القوي على الضعيف فحكمه باطل ولا يعتد به، وهذا متفق عليه بين العلماء .
25ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على من تتهمه الحكومة بالجهاد في سبيل الله، بأحكام تعزيرية، بالحبس الطويل وبالأحكام الجائرة، ثم يزيدون على هذا الحكم الجائر حكماً آخر أبشع منه، وهو أنهم يجعلون للدولة التي هي الخصم في هذه القضية، حيث أنابت عنها " المدعي العام " يجعلون لها الأمر في إنفاذ هذا الحكم من عدمه، فإن شاءت أمضته وإن شاءت عفت عنه، ومن جعل عقوبة التعزير إلى الحاكم وهو أحد طرفي القضية، فقد جعل الخصم حَكَماً على خصمه وهذا باطل بالإجماع، فإن قيل بأن المدعي العام ليس نائباً عن الدولة، قيل من الذي خوله إذن وأذن له بالمطالبة بالقتل والحبس الطويل وإنزال أشد العقوبات التعزيرية على المجاهدين في سبيل الله ؟! .
 وإذا لم يكن نائباً عن الدولة في خصومتها ضد المجاهدين، فإن دعواه ومطالبته والإذن له بالوقوف موقف المدعي وله الاعتراض على أحكام القضاة، كل ذلك حرام بالاتفاق، لأنه ليس له صفة في هذه الدعوى وليس خصماً للمجاهدين، وليس له حقٌ بالمطالبة والاعتراض على الحكم دون تفويض من الخصم، ومن له حق يدعيه .
26ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على بعض التائبين بالسجن خمس سنين وأقل من ذلك وأكثر، وهذا حكم باطل بالإجماع، فإن التائب لا يجوز تعزيره بالحبس والضرب، وهو ليس عليه حق لعباد الله، ولا مظلمة لأحد، وقضيتة جهاد الصليبيين في العراق وأفغانستان، وهذا الحكم مع مخالفته لشريعة الله، فهو أيضاً مخالف للمادة الثانية والعشرين من نظام الإجراءات الجزائية والتي نصها :" تنقضي الدعوى الجزائية العامة في الحالات الآتية: 3ـــ ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة" .
27ـ أن هذه الأحكام الجائرة الظالمة المخالفة للكتاب والسنة والإجماع، ومخالفة للنظام، جلبت الفتنة على المسلمين، وأوغرت في الصدور وبعثت العدوان، وتضمنت لمحرمات عديدة، ومنكرات كثيرة، وأثارت لدى طائفة من الناس أن أحكام القضاة كفر بالله وأنه يجب التخلص منهم ولو بالقتل، وما كان هذا سبيله ـــــــ لضرره العظيم، وفتنته المحققة ـــــــ وجب إلغاؤه وإبطاله .
28ـ أن هؤلاء القضاة يحكمون على المكفرين للدولة بإقرارهم ذلك على أنفسهم، وينزلون عليهم أغلظ العقوبات التعزيرية والسجن مدى الحياة ما لم يتوبوا، دون أن يسمعوا كلام المحكوم عليه وحجته وهل له دليل على قوله أم لا، ودون مناظرته ومجادلته بالتي هي أحسن، ودون دراسة أدلته والنظر فيها، وقبول ما يمكن قبوله ورد ما لا يمكن قبوله، ومناصحته على ذلك والإعذار إليه، فهؤلاء المعتقلون يَدّعُون دعوى على الحاكم، ويوردون عليه مسائل، وينقلون في ذلك كلام أئمة المسلمين، فلا يصح الحكم عليهم دون سماع دعواهم، ودون مواجهتهم بالأدلة إن كان للقضاة أدلة، وإزالة الشبهة إن كان هناك شبهة، فمن حكم على هؤلاء بمجرد إقرارهم على أنفسهم بتكفير الدولة، فقد ظلمهم، وحكمه باطل، لأنه لم يسمع دعوى المدعين، ولا شهادة الشاهدين ، ومن حكم على شخص بالردة، وأورد الأدلة على هذا لم تجز عقوبته ما لم يتحقق كذبه وغلطه، وأكثر العلماء يقبلون الشهادة على الردة من عدلين، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، ولم يقل أحد من العلماء بأن من شهد على شخصٍ بالردة لم ينظر في دعواه، خاصة وأن المدعى عليه بالكفر يطالب بحقه، فكيف يحكم له على خصمه دون سماع حجة الخصم .
29ـ أن تفويض الحاكم بالعقوبات التعزيرية على الذين يكفرونه باطل بالاتفاق، لأن الحاكم خصم وهو المطالب بحقه، وهو الذي أمر بحبس من كفره ومحاكمته، فالحاكم حينئذٍ لا يحكم على خصمه بالإجماع، ولا يُفَوّض إليه أمره، وقد تقدم الحديث عن هذه الجزئية، وهذا ما يفعله قضاة هذه المحكمة .
30ـ أن كلام هؤلاء القضاة وأحكامهم تتضمن أنهم لا يفهمون في الكتاب والسنة، ولا يعرفون أقاويل العلماء في هذه المسائل، ولا يميزون بين المختلف فيه والمتفق عليه، ولا يفرقون بين طاعة الله وطاعة رسوله، وبين طاعة الحاكم، ولا بين معصية الله ومعصية رسوله r، وبين معصية الحاكم ، ولا يفقهون أحكام التعزير، والشهادة، وحكم الخصم من حكم مجهول الحال، ومن لم يحط علماً بتلك المسائل وحكم بما لا يعلمه فحكمه باطل .
31ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على المتهم بالجهاد في سبيل الله بالحبس سنوات قد يكون أمضى في حبسه أكثر منها، دون أن يحكموا بتعويض المحبوس عن السنين التي أمضاها زائدة عن مدة الحكم، فصار الحكم على الخصم الضعيف، دون الخصم الآخر الأقوى، وهذا جورٌ وعدوان ولا يصح هذا الحكم وهو باطل .
32ـ أنهم يحكمون بإطلاق سراح المسجون، ولا يُنفذ الحكم، لأن تنفيذ الحكم بيد الخصم الأخر، وهو الدولة، فالدولة تعمل بما هو محكوم لصالحها، ولا تعمل بما هو محكوم عليها، والقضاة يعلمون ذلك، وهم شركاء في دائرة الظلم والعدوان في هذه الأحكام .
33ـ أن قضاة هذه المحكمة قد تسببوا في ذهاب عقول قوم من المعتقلين، وإصابة آخرين بأمراض نفسية، جراء أحكامهم الجائرة، وقد جاورني في السجن من فقد عقله حين حكم عليه القاضي بخمسة وعشرين عاماً، بعد أن كان هذا الأخ المحكوم عليه دواءً للمجانين، وكان يعتقد حين خروجه للمحكمة أنه سيفرج عنه، فهو لم تكن له قضية تستحق الاعتقال، فألبسه المدعي قضية، وحكم عليه القاضي بقول المدعي، دون أن تكون للمدعي بينةٌ، ودون أن يعبأ القاضي بإنكار المدعى عليه، ولم ينظر إلى القرائن والدلائل التي أوردها المدعى عليه لإبطال دعوى المدعي، وهذا حكم جائرٌ وباطلٌ، لم تأت بمثله الشريعة، والأمثلة في القضاء على هذا النحو كثيرة جداً، وهذا مما يوجب رد هذه المحكمة وقضاتها .
34ـ أن من قضاة هذه المحكمة، من يزيد في مدة السجن والتعزير على من يطعن على أحكامهم، من المتهمين بالجهاد في سبيل الله، وهذا باطل بالاتفاق، وحكم القاضي ليس شرعاً لا يخطئ، ومن هؤلاء القضاة من لا يزيد في مدة السجن على المعترض، لكنه لا يسمع من المدعى عليه شيئاً، ولا يغير الحكم .
35ـ أنه لو ظن القضاة أن في منع الجهاد في العراق وفي أفغانستان إجماعاً بدون إذن الحاكم ولم يذكروا على هذا دليلاً ولم يحكوا الإجماع عن أحد، لم يكن قولهم ملزماً، وكان قضاؤهم على المخالف باطلاً، فكيف والإجماع على خلاف ما يظنون، وكيف والمحكوم عليه بالحبس يستدل على فعله بكتاب الله وسنة رسوله r وإجماع العلماء، ويطالب بالمناظرة، فبأي شريعة يقضي هؤلاء، وبأي عقل تقبل هذه المحكمة وقضاتها .
36ـ أن من حكم بحكمٍ مخالف لإجماع المسلمين، فحكمه باطل بالإجماع، وهؤلاء القضاة خالفوا إجماع المسلمين حين حكموا بالحبس على من استجاب لله ورسوله r في جهاد الكفار الغازين لديار المسلمين . 
37ـ أن هؤلاء القضاة أهل ظلم وجور في أحكامهم، ومن كان ظالماً جائراً في أحكامه، فإنها تسقط عدالته، ومن سقطت عدالته بطل قضاؤه .
38ـ أن هؤلاء القضاة يحكمون على من خالف ولي الأمر وأطاع الله، بالحبس، ولا يحكمون بالحبس على من عصى الله وأطاع ولي الأمر، ومن حكم على من أطاع الله بالحبس، فحكمه باطل، ومن حكم على من عصى ولي الأمر بالحبس وهو لم يعص الله، فحكمه باطل .
39ـ أن قضاة هذه المحكمة يصرف لهم من المخصصات ما لا يصرف لغيرهم من القضاة، ويسافرون في الأوقات المحددة لهم من قبل الداخلية، ويسافرون من مقرات إقامتهم إلى جدة لمصالحهم الشخصية، وليس لإنصاف الموقوف، والقاضي لا يكون محايداً حتى يكون ما يتقاضاه مادياً مساوياً لزملائه القضاة في جميع المحاكم .
40ـ أن قضاة هذه المحكمة يعلمون أنهم لو أبعدوا عن هذه المحكمة، لاخترمت مزاياهم المالية وفقدوها، وهذا يؤثر يقيناً على استقلالهم وتعاطيهم مع المتهم، مما يجعلهم تحت رجاء مصلحة البقاء وخوف الإبعاد .
41ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون بالشبهة الظنية، أو الباطلة المخالفة للنص، وهذا دليل على الجهل وعدم الكفاءة، والحكم بالشبهة باطل إلا بالتقرير، ولذلك ضوابط، وبشرط أن تكون الشبهة مخالفة للشريعة، وكذلك الجور في الحكم، وهذا واضح من السنين التي يحكمون بها على المعتقلين، والشريعة تفرق بين الحبس للتهمة حتى تتبين حال الموقوف، وبين الحكم عليه للتهمة؛ فالأول جائز بضوابطه الفقهية لأيامٍ معدودات، وإذا لم تتبين حاله يطلق، وأما الحكم للشبهة والتهمة، فهذا لا يجوز بالإجماع، وهذا موجب لرد هذه المحكمة وقضاتها .
42ـ أن هذه المحكمة صورية، وليست ذات معنى يعتد به، حيث إنها أُنشِئت لتبرير تجاوزات وزارة الداخلية وقطاعاتها العسكرية، ولتلبس أعمال وزارة الداخلية صفة شرعية، فهؤلاء القضاة في هذه المحكمة يحكمون بعد تنفيذ العقوبة على الموقوف، فيمضي الموقوف سنين قد تصل إلى العشر أو تزيد، ثم يعرض على المحكمة، وهذا باطل بالاتفاق، ولو كان القضاة منصفين لرفضوا محاكمة من قضوا السنوات الطوال بلا محاكمة، ففعلهم دليل على أنه ما أوتي بهم إلا لاستكمال الإجراءات لا غير .
43ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على أهل العلم في المسائل الاجتهادية بالحبس، مقدمين في ذلك قول الحاكم ـ الذي لا يستند إلى نص من كتاب وسنة ـ على اجتهاد العلماء، وهذا حكم باطل بالإجماع، كما أجمع العلماء على أنه لا يجوز الحكم على المجتهد في المسائل العلمية .
44ـ أن هؤلاء القضاة يحكمون بالحبس على الذين يتبرعون بالمال لمقاومة المحتل لديار المسلمين، مستدلين بالقانون المشرَّع بأن هذا من غسيل الأموال الذي تحاربه الدول، وهو حكم بغير ما أنزل الله، وتبديل لشرع الله ، فقد قال الله تعالى { انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } وقال النبي r : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أحمد وغيره من حديث أنس بسند صحيح . فمن جعل معونة المجاهدين المقاومين للمحتلين، جريمة موجبة للحبس، وجعل هذا هو الدين، فقد ضاد الله في حكمه، وجاء للمسلمين بشرع مبدل، وحكمٍ مخالف لكل الشرائع والعقول، وهذا مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة، ويستتاب من هذا القول الشنيع والحكم الوضيع، وهو من جنس أقوال الصليبيين وأضل سبيلاً .
45ـ أن الصدّ عن جهاد المحتل الغاصب ودفع عدوانه على بلاد المسلمين جريمة عظيمة، وخيانة للدين والمسلمين، وأن تشريع قانون يجرم صد عدوان الكفار، ويجعل الإنفاق في هذا السبيل من غسيل الأموال، ويرتب عقوبة عليه، تبديل للدين، وتشريع للعباد بما لم يأذن به الله، والحكم به حكمٌ بغير ما أنزل الله، وهو باطل بالكتاب والسنة والإجماع، ومن حكم بالشرع المبدل وترك الشرع المنزل، فإنه يستتاب من هذا، وأما من عاقب المعين للمسلمين في جهادهم للمحتلين دون تبديل للشرع ولا تشريع للعباد، فهذا ضال له حكم أمثاله من الغاوين والصادين عن سبيل الله، وحكمه باطل بالكتاب والسنة والإجماع، وكذلك من عاقب المجتهدين في هذه المسألة ونحوها، أو المقلد للمجتهدين فهو مخطئ، وحكمه عليه بالحبس باطل، وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (المجلد الخامس والثلاثين) الإجماع على هذا، وقال: ( وإن كانوا قد أخطؤوا خطأً مجمعاً عليه، فالمخالف للإجماع عن اجتهاد أو تقليد للمجتهد لا يعاقب بالإجماع، فكيف يعاقب المستدل على قوله وفعله بالكتاب والسنة والإجماع) . 
 إن عقوبة مثل هذا عقوبة عظيمة عند الله، وهتك لحرمة العلم والدين، واستهانة بحقوق المسلمين، وفتح لباب الفتنة والشر بين المسلمين وتوليد للعداوات، وهذا كله موجب لرد هذه المحكمة وأحكامها، وبطلان الترافع إليها .
46ـ أن هؤلاء القضاة يسمعون مطالب المدعي العام، بطلبه الحكم على خصمه، كأن يطلب السجن أو القتل أو منع السفر، وهذا لا أصل له في الشرع، فالمدعي العام خصمٌ، ويعرض ما لديه دون تلقين الحكم للقاضي .
47ـ أن القاضي لا بد أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية، فقيهاً بالواقع، ومن رأى حال هؤلاء القضاة، رأى فيهم جهلاً واضحاً بالعلم الشرعي، وانتقاءً للأدلة مجحفاً، واستدلالاً غريباً، كما أنه يرى لديهم جهلاً بالوقع، واقع السجون، وحال الزنازين، وما يجري فيها من العذاب الشديد، وتلفيق التهم عن طريق العذاب الذي لا يطاق، مما ألحق العاهات المزمنة بعدد من السجناء، وقد تقدم أن من حكم على من تحقق إكراهه، فهو جاهل أو صاحب هوى، وهذا لا يصلح أن يكون قاضياً ولا تنفذ أحكامه . 
48ـ أن قضاة هذه المحكمة يعتبرون أن كل معتقل يحال إليهم من قبل وزارة الداخلية، فإنه عندهم متهم، ولا بد له من حكم، بينما ليس في قاموس أحكامهم أن المعتقل قد يكون بريئاً، أو مظلوماً، وهذه مقدمة باطلة بالإجماع، والحكم على ضوئها حكم باطل بالإجماع . 

49ـ أن قضاة هذه المحكمة يقولون عن المتهمين بالجهاد في سبيل الله، بأنهم أهل فتنة وشذوذ وعصيان لولي الأمر، ومن قال عمن أطاع الله ورسوله r وخالف الحاكم بأنه عاصٍ لله، كان قوله وحكمه باطلاً .
50ـ أن قضاة هذه المحكمة،  يحكمون على المتهمين بالجهاد في سبيل الله والداعمين لهم، بأحكام متباينة متغايرة، فإن كان المتهم من بلاد الحرمين، حكموا بأنه عاصٍ لولي الأمر ومفتاتٍ عليه، وإن كان من أهل مصر أو الشام أو اليمن أو البلاد الأخرى، حكموا عليه بأنه مفسد في الأرض، والقضية واحدة، وهذا لعب بالدين، وعبث بالشريعة، واستهانة بالعقول، وانسلاخ من الآدمية، وهو حكم باطل بالكتاب والسنة والإجماع .
51ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على نية الذهاب للجهاد بالسجن لسنين، وقد حكموا على كثير من المتهمين بموجب هذه التهمة، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على بطلان هذا الحكم، وعلى ظلم هذا الحاكم وجوره .
52ـ أن مسألة دفع عدوان الصليبيين عن المسلمين مسألة شرعية حكمها ثابت في الكتاب والسنة والإجماع، والقاضي يحكم في الحدود والمسائل المتنازع فيها بين الخصمين وما شابه ذلك،  فكيف يقضي في مثل مسألة رد عدوان الصليبيين على بلاد المسلمين، ويفصل في القضية بخلاف حكم الله وحكم رسوله r ، ومن له من القضاة اعتراض على الأدلة في المسألة أو الإجماع، فحكمه كآحاد أهل العلم يذكر ما عنده من العلم بأدلته، وليس له القضاء والحكم فيه والتعرض لمخالفته، وهذا مالم يفعله قضاة هذه المحكمة .
53ـ أنه على تقدير النزاع في مسائل الجهاد في العراق وأفغانستان، فإنه يجب رد ذلك إلى الكتاب والسنة، وليس لأحدٍ من القضاة أن يفصل فيه بحكمٍ غير مردودٍ إلى الله ورسوله r ، ولا إلى أقاويل أئمة المسلمين .
54ـ أن هؤلاء القضاة بأحكامهم وظلمهم وجورهم، يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، ومن آذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا بالقول أو الفعل العمد، فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا، وهذا وصف أهل الفسق، والفاسق الظالم لا يكون حكماً على المسلمين، ولا يقر على ذلك، ولا يصح حكمه وتجب محاكمته على أحكامه، ولو أُقرَّ مثلُ هذا وتُرك، لأفسد الدنيا والدين، وقلب الشريعة ظهراً لبطن .
55ـ أن قضاة هذه المحكمة يحكمون على المتهمين بنصف حكم، ويحيلون بقية الحكم لوزارة الداخلية والتي هي الخصم، فأي قضاء هذا، وبأي شرع يحكمون، وقد اتفق العلماء على أن كل من حكم بالشرع المبدل، ولم يحكم بالشرع المنزل فحكمه باطل .
56ـ أن قضاة هذه المحكمة يقبلون النظر في دعوى رجالات المباحث ووزارة الداخلية على المجاهدين في سبيل الله، ويرفضون دعوى المجاهدين على رجالات المباحث ووزارة الداخلية والمدعي العام، وهذه نصرة منهم للقوي على الضعيف، وهو محرم بالاتفاق، ومن فعله لم يصح حكمه .
57ـ أن العدالة في هؤلاء القضاة غير ثابتة، ومطعون فيها، وقد اختلت فيهم شروط القضاء، ومن لم تتحقق فيه شروط القضاة، فحكمه باطل .
58ـ أن هذه المحكمة، قد بُنيت وأُسست على باطل، إذْ إن قضاتها قد تم انتقاؤهم من ألف وخمسمائة قاض بعد موافقة الداخلية عليه، ولم يمنح مجلس القضاء حرية الاختيار الكاملة، وعليه فإنّ أحكامهم باطلةٌ، لبطلان ما بُنيت عليه، وما بني على باطل، فهو باطل .
 
وبعد هذا كلَّه، فإن المنصف سيدرك حقيقة هذا الظلم الذي أقدمت عليه وزارة الداخليةِ بحق هؤلاء المعتقلين، وأنها لم تخش الله تعالى فيهم، وأن كلَّ من ساندها في ظلمها، فهو شريك لها في الإثم، وإن تظاهر بالدين ، وألبس أعماله لباس الشريعة، وأن هؤلاء القضاة قد ولجوا دروب الظلم والعدوان، مجترئين على دين الله، فويل لهم ثم ويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون. 

وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار" فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، حديث جيد رواه أهل السنن من حديث بريدة .

{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} 

 تمت كتابتها ليلة السبت شهر جماد الثانية من عام 1432هـ ،
وتم تحريرها في شهر رجب 1434هـ . 
سليمان بن ناصر العلوان .