الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

الأمرُ الملكيّ الكريمُ واجتهادُ التفاسير (منعُ القضاةِ من المشاركةِ الإعلاميةِ أنموذجاً ).. بقلم : طالب بن عبد الله آل طالب قاضي محكمة تثليث سابقا

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

أكتبُ الآنَ لكمْ أيّها الزملاءُ .. وقدْ مرّت عشرةُ أيّامٍ من الضّجيجِ الذي أحدثتْه المقالةُ السابقةُ .. مقالةٌ ما تحدثتْ في غيرِ شأنِ النظامِ .. ولم تشرْ لغيرِ ضرورةِ الحرصِ على استعادةِ هيبةِ المجلسِ الأعلى للقضاءِ ممن حاولَ ولا زالَ يحاولُ سلبَه وتعقيلَه .. ولم تعتب إلا على قسوة الواقع المرير .. وقد اختارَ لها منْ في قلبِه ضغينةٌ أن يفهمَ بعضَ حروفِها على غيرِ مرادِها .. ويصوّرَ الكاتبَ وكأنّه مفتاتٌ على وليّ الأمرِ .. أو رسولٌ لفتنةٍ .. والمرءُ يعلمُ من نفسِه بحمدِ الله ومن مُقامِه في وظيفةِ القضاءِ .. ومن حكايا سنواتٍ درجَ بها على هذه الأرضِ وتنفّسَ هواها .. وعاش سرّاها وضرّاها .. أنّ لهذه البلادِ عندَه مكانَ القلبِ ومكانةَ الروحِ .. و لولاةِ هذه البلادِ المؤمنينَ بالله والمستمسكينَ بشرعه حقّ الطاعةِ والنصحِ والحبّ والدعاء .. يؤمن بها خالصة لوجه الله .. لا يبتغي بها كرسياً دواراً .. ولا يطلبُ مالاً أو عقاراً .. والمواطنُ الفقير ـ سمعتهم يقولون ـ أظهرُ وطنيةً من المواطنِ الوزير ..
ثمّ أنصرفُ منْ هذه المقدّمةِ إلى لقاءٍ إعلاميٍّ مع الوزيرِ المكلفِ برئاسة القضاء .. في ثمانِ صفحاتٍ كاملاتٍ مزيناتٍ بالصورِ .. يتهجّم فيه على القضاةِ ومشاركاتهم الإعلامية .. ويتحدثُ عنهم بقسوةٍ بالغةٍ .. ويهدّدُ بالويلِ والثبورِ .. وهذه بعضُ كلماتِه المنشورة أنقلُها بحروفِها لعيونِكم .. لتقرؤوها وتعجبوا من شدّتها وشحْنائِها .. قال معاليه :
" وأي مشاركة إعلامية بعد هذا اليوم هي بمنزلة تنازل عن الوظيفة القضائية" لاحظوا التعميم : " أي مشاركة "
" لدينا أكثر من ألفي وظيفة قضائية شاغرة وهذا يتيح خيارات عدة خاصة في موضوع القياس والتخلص ممن تعتذره الوظيفة القضائية"
"لن يتنازل المجلس الأعلى للقضاء عن حزمه "
ويجبُ أن تتأكدوا أنّ المرادَ ليس حزمَه تجاهَ تعطيلِ تنفيذِ الأحكامِ أو النيلِ من القضاةِ أو خرقِ استقلالِ القضاءِ .. وإنّما حزمه تجاهَ تغريداتٍ عابراتٍ ضايقتْ معالي الرئيسِ المكلّف .. علماً أنّ هذه الجملةَ تحديداً فيها ما فيها من تعبيرِ المجلسِ عن إرادةٍ له عبرَ الإعلامِ .. كان قدْ مُنعَ منْها يوما ما .. وعُدّت مخالفةً للأوامرِ والتعليمات ..

و قدْ صدرَ أمرٌ ملكيّ بالتأكيدِ على القضاةِ بتجنّبِ المشاركةِ السلبيةِ في وسائلِ الإعلامِ .. وذلك صيانةً للقضاءِ وسُلْطته المستقلّةِ من الاستغلالِ وحمايةً لهمْ من الامتهانِ .. كمَا جاءَ نصّ الأمرِ الملكيّ الكريمِ ..
وانظروا لأدبِ الأمرِ الملكيّ في تجنّبِ لفظةِ المنعِ .. والاكتفاءِ بعبارةِ "التأكيد على القضاة بتجنب" وهو نصحٌ وتوجيهٌ رشيدٌ .. بُني على ما جرتْ عليه عادةُ التخاطبِ بين القضاةِ وولاةِ أمرِهم .. ثمّ جرى تقييدهُ بعدةِ ضَوابط أُجملها في الآتي :
ــ أنْ لا تكونَ مشاركتُهم بصفتِهم القضائية ..
ــ أنْ لا تكونَ في الشأنِ العام ..
ــ أنْ لا تكونَ بصورةٍ سلبية ..
وإذا كانَ معالي وزيرِ العدلِ ورئيسِ المجلسِ "المكلف" لمْ يكتسبْ صفةِ القاضي ليَعُمّه هذا التوجيهُ الكريمُ .. فقدْ أوكلتْ إليهِ مهمةُ إبلاغِ القضاةِ بهذا الشأنِ عبرَ برقيةٍ سريّةٍ .. غيرَ أنّ معاليه أبى إلا أنْ يُعلنَ الأمرَ ويهتكَ السترَ عبرَ حواراتٍ مطولةٍ تُزيّنها صورُه وهو يشيرُ بكلتا يديهِ ويحرّكُهما للأمامِ .. ينالُ فيها ممّا نصّ عليه الأمرُ الملكيّ الكريمُ صراحةً من ضرورةِ صيانةِ القضاءِ من الاستغلالِ وحمايةِ القضاةِ من الامتهانِ ..
وأيّ هتكٍ لصيانةِ القضاءِ أعظم من إعلانِ الأمرِ على رؤوسِ الأشْهادِ وانتهاكِ حرمةِ سريّة البرقيّة الملكيّة .. وهلْ عَدِمًْتَ وسيلةَ الاتصالِ بينك أيّها الوزيرُ الكريمُ وبينَ أصحابِ الفضيلةِ القضاةِ حتّى لا تجدَ خيراً منْ صحيفةٍ سيارةٍ يقرأها كلّ أحدٍ .. لتعلنَ منْ خلالها في خِطابٍ مشحونٍ بالفوقيةٍ ومسكونٍ بالتهديدِ .. أنّك ستحاسبُ من يخالفُ وتقصي من لا يستجيب .. وأيّ امتهانٍ للقضاةِ أشدّ من أن تكرّر في لغةٍ هي إلى الوصايةِ أقرب أنّ عددَ القضاةِ لديكَ وافرٌ .. وأنّك تملكُ القدرةَ لتتخلّى عنْ من لمْ يمتثل .. وتكون بهذا التصرّفِ مفتاتا على حقّ مجلسٍ مجتمعٍ مكونٍ من أحدَ عشرَ عضواً .. جعلَ لهم النظامُ مهمّةَ تقريرِ ذلكَ المصيرِ .. ثمّ تكونُ مفتاتاً على حقّ وليّ الأمرِ نفسِه .. وأنتَ تعلمُ أنّ إعفاءَ القاضي لا يكونُ إلا بأمرٍ ملكيّ كريمٍ .. وقدْ نصّت المادةُ الثانيةُ من نظامِ القضاءِ على أنّ القضاةَ غيرَ قابلينَ للعزلِ إلا في الحالاتِ المبينةِ في النّظامِ .. ثمّ أشارت المادةُ التاسعةُ والستون إلى حالاتٍ محددةٍ منها الموتُ والمرضُ الشديدُ .. وليس َمن ضِمنها المشاركةُ في الإعلامِ .. ثمّ جاءت المادةُ السبعون لتؤكّدَ أنْ ليسَ للمجلسِ الأعلى للقضاءِ إلا اقتراح العزلِ فقط .. والرفعُ بعد ذلك لمقامِ الملكِ الذي يجيزُ ذلك .. أو يرفضُ الاقتراح .. وهو مزيدُ تأكيدِ رعايةٍ لشأنِ حمايةِ استقلالِ القاضي .. أبى معالي الوزير إلا أنْ يُعرضَ عنه تماماً .. ويُهدّدَ بالإقالةِ الفوريةِ .. وهو يعلم أنّ ملفّ استقلالِ قضائِنا في المحافلِ الدوليةِ لا يحتاجُ أبداً لتصريحاتٍ من هذا القبيلِ .. وإذا كانتْ تلكَ هي الوصايةُ المعلنةٌ في الصحفِ .. فكيف ستكونُ تلكَ التي تُمارسُ في الخفاءِ وتؤثّرُ على نزاهةِ الأحكامِ .. هفواتٌ متتابعاتٌ مع أوّلِ حضورٍ لمعاليه في المجلسِ .. مبدؤها طبعُ الاستفرادِ بالرأيِ .. القادمِ من حالِ الوزارةِ ووصفِ الوزيرِ .. وختامُها فهومٌ تسيرُ على منهاجِ تحميلِ النصّ النظاميّ ما لا يحتملُ .. وما بين المبدأ والختامِ أوصافٌ قاسيةٌ من ازدحامِ الأعمالِ الإداريةِ على معاليه بتكليفِه بإدارتيْن مختلفتين .. واهتمامٍ بالغٍ بالإعلامِ .. وحداثةِ تجربةٍ في التعاملِ مع القضاةِ كرئيسٍ مكلّف عليهم .. انتهتْ إلى عزمِه على تشكيلِ لجنةِ صلاحيةٍ فكريةٍ تصرفُ عن القضاءَ منْ لا يتفقُ مع رؤاه الفكريّة .. وهي بابٌ خطيرٌ على حمى استقلالِ القضاءِ وتوقيرِه ..
وإذا لمْ يشارك القضاةُ في خصوصِ الشأنِ القضائيّ فمن الذي يشاركُ .. وإذا كانَ الأمرُ الملكيّ قد نصّ على مفردةِ ( الشأن العام ) فمن الذي صَرفها للشؤونِ القضائيةِ الخاصّةِ .. وهل تريدونَ من التحقيقِ الصحفيّ الذي يبحثُ موضوعَ إجراءاتِ قضايا غسلِ الأموالِ أنْ يسْتكتبَ مديرَ مسْتشفى مثلاً .. أو من القناةِ التي تناقشُ موضوعَ نظرِ قضايا المطلقاتِ في أروقةِ المحاكمِ أن تستضيفَ قانونياً من جمهوريةٍ مجاورةٍ .. كما تفعلُ الوزارةُ في بعضِ ملتقياتِها العدليةِ ومهرجاناتِها الإعلاميةِ ..
إنّ حضورَ القضاةِ الإعلاميّ الهادفَ ضرورةٌ في وقتٍ تقطّعتْ فيه الحبالُ بين القضاةِ والمواطنين .. وصوّرهمْ خيالٌ مدسوسٌ وناقمٌ على أنّهم أجلاف ومتوحشون .. وفيهِ إلى الثّقةِ في المعلوماتِ المقدّمةِ منهم .. واستشعارِ اللحمةِ الوطنيّةِ .. وتدريبِ القضاةِ أنفسِهم على النقاشِ والحوارِ .. واطلاعِهم على واقعِ النّاس ونظرتِهم .. أمورٌ تأخذُ في حُسْنها بأيدي أمور ..
وإذا لم يكنْ خروجُ القضاةِ بصفتِهم القضائيةِ واختارَ القاضي أنْ يكتبَ منثوراً أدبياً أو بحثاً فِقهياً من دونِ ذكرِ وصفهِ القضائيّ فما المانع وما الضير .. ولماذا اختار الأمر الملكيّ مفردةَ ( الصفة القضائية ) المعلنةَ قيداً لذلك .. ثمّ جاءَ منْ يفسّرُ الأمرَ على فهمهِ ليلغيَها .. ويؤكّدَ أنّه سيلاحقُ الخواطرَ أياً كانتْ .. ويحاسبُ على النّوايا والظّنون ..
ثمّ إنّ المادةَ التسعين من نظامِ المرافعاتِ الشرعيةِ قد منعت القاضيَ من نظرِ الدعوى وسماعِها إنْ قامتْ علاقةٌ بينه وبين أحدِ الأطرافِ يُرجّح معها عدمُ استطاعتِه الحكمَ دونَ تحيّز .. أو كانَ قد أفتى أو ترافعَ أو كتبَ فيها .. وهي إشارةٌ إلى أنّ خُلطةَ القاضي بمجتمعِه واردةٌ .. ومن ثمّ فقد قرّر المنظّمُ من أجلِها موادّ التنحّي .. ولو كان الأمرُ كما يرى معالي الوزيرِ .. لمنعَ النظامُ القاضيَ من الخُلطةِ والإعلامِ مطلقاً .. واكتفى بذلك عنْ تقريرِ تنحّيه ..
ولم يزل القضاةُ يفتونَ ويعلّمون الناسَ الخيرَ .. في عمومِ القنواتِ الإعلاميّةِ .. ولم يزلْ لفقهائِهم وباحثِيهم كتاباتٌ مشكورةٌ في مجلّةِ العدلِ والمجلاتِ القضائيةِ والنظاميةِ .. ولهمْ إطلالاتٌ من نور .. وحضورٌ لا يساميه حضور .. يتجاوزُ ما يصمُهم به الناقمُ من مجرّدِ توقيعِ العرائضِ والافتئاتِ على ولاةِ الأمورِ .. أفيكونُ حقاً على هولاءِ كلِّهم أنْ ينتهوا عن مقامِهم في نُصح الناسِ .. ويتوقفوا عن الظهورِ المشرقِ في وسائلِ الإعلامِ .. لسوادِ عيونٍ أعْشتْها فلاشاتُ التصويرِ .. ولم تزلْ تقطّبُ جبينها مع كلّ تغريدةٍ ناقدة .. وكيفَ سيصدرُ عددٌ واحدٌ من مجلةِ العدلِ أو المجلةِ القضَائية مستقبلاً .. بناءً على هذا الفهمِ العابثِ للأمرِ الملكيّ الكريمِ ..
وهل صارَ الإعلامُ مهيناً بهذه الدرجةِ .. ليصرفَ الوزيرُ الراشدُ القضاةَ عنه تماماً .. وكيف سيفسرُ الإعلاميونَ الشرفاءُ هذه الضربةَ الموجِعةَ لهم .. وهم يقرؤون تعميماً يقرّر حفظَ القضاةِ وإجلالَهم عن جميعِ وسائلِ الإعلام .. بحجّة رفعتِهم عن المَهانة .. وكيف يفسّر وزيرُنا الكريمُ ذاتُه خروجَه المتكرّر في الإعلامِ .. وقد كانَ الواجبُ أنْ يقتصرَ في فهمِ المرادِ على نصّ الأمرِ الملكي الكريمِ الذي وجّه بحمايةِ القضاةِ من الامتهانِ الذي يورِثُه الخروجُ السلبيّ في بعضِ المشاركاتِ الإعلاميةِ .. وسكتَ عن برامجَ بالغةِ النفعِ ذائعةِ الصّيتِ .. ما زالتْ للقضاةِ بوسائلِ الإعلامِ المختلفةِ .. وأخشى أن يقومَ قائمٌ بناءً على هذا الفهمِ فيمنعَ إعلانَ خُطبِ أربعةِ قضاةٍ أجلّاء من منبرِ الحرمينِ الشريفين .. ويُعطّل إصدارَ مجلةِ العدل .. ويقضي على مشروعِ مدوّنة الأحكام ..
والمأمولُ من أصحابِ الفضيلةِ القضاة أنْ يتجنّبوا الحضورَ الإعلاميّ المبالغَ فيه .. وليكنْ لهم في من استهلكَه الإعلامُ ومَجّه عظةٌ وعبرة ..

وليمتثلوا للأمرِ الكريمِ بتحقيقِ ثلاثِ الصفاتِ :

ــ أنْ لا يكونَ الكلامُ بالشأنِ العامِ .. وهناكَ منْ سيكفيهم مؤنةُ الحديثِ فيه ..
ــ أنْ لا يكونَ بصفتِهم القضائيةِ حمايةً لهذا الوصفِ من الدخولِ في مناقشاتٍ ومهاتراتٍ يُبتلى القاضي بها رغماً عنه ..
ــ أنْ لا يكونَ بصورةٍ سلبيةٍ .. وهو القيدُ الأهمُّ .. فإنْ تأخّر هذا القيدُ .. فلنْ يضرَّهم ما قالوا ولا ما كتبوا .. ولن يخالفَ ذلك مقصدَ الأمرِ الكريم بحمايةِ القاضي من الامتهانِ .. وعلى منْ يفهمُ من النّظامِ شيئاً غيرَ المكتوبِ أن يشرحَ لنا نحنُ الذين لمْ نفهمْ بعدُ ..
ثمّ جاءَ التأكيدُ في الأمرِ الملكيّ الكريمِ على الوسيلةِ الإعلاميةِ .. ليخرجَ ما عدا ذلكَ منْ إلقاءِ المحاضراتِ والدروسِ في المساجدِ .. وليخرجَ ما يكونُ في نحوِ مواقعِ الوصلِ الاجتماعيّ والإيميلات والمنتدياتِ الخاصّةِ .. إذْ لا يصدقُ عليها وصفُ الوسيلةِ الإعلاميةِ .. ومن ثمّ فإنّ التحريشِ بمتابعةِ التغريداتِ والتهديدَ بملاحقتِها يدلّ على نفسٍ متوجعةٍ منْها أكثرَ ممّا هي جادةٌ في تحقيقِ منْعِها .. ولا يمكن متابعتُها فعلياً مع إمكانِ التخفي فيها .. إلا أنْ تتخلّى وزارةُ العدل عن مهمّتها المفترضةِ في إدارةِ العدالة .. وتتحولَ إلى وزارةِ المخبرين .. وأوّل شخصيةٍ عدليّة أعلنتْ غشيانَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ في" الفيس بوك " هي شخصيةُ معالي وزيرِ العدل .. وحَمدتْ لها الصحافةُ حينَها تلك الإيجابيةَ .. واعتبرتْها خطوةً عزيزةً في الشفافيةِ والوضوحِ .. ثمّ شاءَ الله أن يتغيّر الحالُ .. وتصبحَ في عدادِ الجرائم التي تعصفُ بالقاضي وتعرّضه للتحقيق ..

.. ولْيُعلمْ أنّ الدفاعَ عن هذا الأمرِ ليسَ لتعلّق بالإعلامِ وحضورِه .. أو رغبةٍ في غشيانِ دورِه .. والقضاةُ همْ أقلّ فئاتِ المجتمعِ مشاركةً به .. وإنما لردّ كلام للوزيرِ قاسٍ على القضاةِ لا يليق به ولا بهم .. ونبذ الوصاية التي تصادرُ الحرّيةَ باسم النظامِ .. ومنْ ثمّ فإنّ الطرحَ الذي يختزلُ الموضوعَ في قرارِ المنعِ من المشاركاتِ الإعلاميّةِ فقط غيرُ وجيهٍ .. حتى نقرأَ إلى جانبِه اللغةَ الجديدةَ المشحونَة بالتهديدِ ضدّ القضاةِ .. والتفرّدَ في تقريرِ الرأيِ والنفوذِ من قبل رئيس مكلّف وتجاوز إرادةِ أصحابِ الفضيلةِ أعضاءِ المجلسِ في ذلك .. والسعيَ الجادّ في تكميمِ الأفواهِ منْ أجلِ صناعةِ مستقبلٍ قضائيّ لا ندْري عن خيوطِ تفاصيلِه .. وإعلانَ تجاوزِ الأنظمةِ والأوامرِ وتفسيرَها على غيرِ ظاهرِها .. وهي أربعةُ مخاوفٍ محتفّة بقرارِ منعِ المشاركةِ الإعلاميّةِ لا ينبغي أنْ تغفلَ عنْها عينُ المتابِع .. ولا الرقيبِ .. وإذا كان لرئيسِ المجلسِ المكلفِ أنْ يتخذَ رأياً بمفردهِ .. ثم يفسر الأنظمةَ على فهومِه .. ويكمّمَ الأفواهَ التي تنتقده .. ويغلظَ عليهم العبارةَ فاقرأ على إدارتِه السلام ..
ولقدْ كانَ مزعجاً لنا منْ رجلٍ يقفُ على رأسِ القضاءِ ـ ولو كانَ وقوفُه مؤقتاً ـ أن ينالَ من القضاةِ بهذا الشكلِ وعلى سمعِ العالمين .. ويا ليته انتظرَ حتّى يتمّ إعفاءُ أيّ واحدٍ منْ أولائكَ القضاةِ المارقين .. ثم يتحدثُ بعد ذلك أنّنا أعفينا أوعاقبنا ـ وقدْ تركوا السلكَ القضائيّ ـ لا أنْ يهاجمَ قضاةً هو الآن يقرّ أنهمْ على رأسِ العملِ وينظرونَ قضايا المسلمينَ ويصدرونَ الأحكامَ الشرعيّة .. وظلمُ ذوي القربى أشدّ مضاضةً على المرءِ من نيلِ الصّحفِ والمجلاّت ..
وفي كتابِ تصنيفِ الناسِ بين الظنّ واليقينِ لشيخنا وشيخِه بكر بن عبد الله أبو زيد ـ نوّر الله ضريحَه ـ بيتٌ من الشعرِ ما زلتُ أحفظُه يقول :
قدّرْ لرجلك قبل الخطوِ موضَعها فمن علا زلقاً عن غرّةٍ زلجا

وأخيراً :
 فهي وقفةُ وفاءٍ لمئات الأحبابِ والزملاء الذين اتصلوا وشكروا ودعوا وثبّتوا .. لهمُ الله ما كان أبردَ وصلَهم على القلبِ .. وأهناه على الروحِ .. وما زالت برقياتُهم المتصلةُ بأولي الأمر .. وتكاتفهم في النكيرِ على من تجاوز .. عملاً جليلاً ومشكوراً .. والعاقبة حميدة للصادقين .. وقضاؤنا بحمد الله بخيرٍ .. وهو فوقَ إرجافِ الظنون .. وتحكيمُ الشريعةِ فيهِ والفخرُ بها مطلبٌ ذائعٌ ومصون .. وما يحدثُ الآن هو مجرّدُ ضوضاء إعلاميةٍ لم نكنْ نعرفُها قبل عشرة أعوامٍ ولا خمسة .. وإنما جدّت في السنواتِ الأخيرةِ .. وصلتْ لنا مع وصولِ الباحثين عن مجدِ أنفسِهم .. واستوطنتْ قلوبَ طالبي الشهرةِ و الثراءِ .. آباء رغالِها من بني جلدتِنا .. يلبسونَ مشالحنا .. ويتكلمونَ بلغتنا القضائية .. يقدّمون رعايةَ مصالحهِم الخاصّةِ على حقّ العدالةِ والقضاء .. وملاحقة تلك الظاهرة لن تكونَ بتكميمِ أفواه القضاة حتى نتفكّر في سبب هذا الضجيج .. ولن يفيدَ طلبُ استقامةِ الظلّ مع اعوجاجِ العود .. والله المسؤول أن يصلح النوايا والأعمال ..
 
لا تقلْ شيئاً ولا تكتبْ ولا --- تستمعْ يا أيّها القاضي الهمامْ
ومن المطلوبِ أن تغمضَ عيناً --- وتعلّ الأنفَ دوماً بالزكامْ
وانتبهْ ثم انتبهْ ثم انتبهْ ... --- أن يراكَ الناسُ في شأنِ العوامْ
نحن لا نبحثُ إلا عنْ مكانٍ --- لك فيه الودّ منا والسلامْ
 أيها السادةُ عندي طلبٌ  ---  خالصُ السرّ شديدُ الالتزامْ
اشتروا لي قفصاً أسكنهُ --- واتركوني من حكايا الاحترام !!!!

المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية (أكثر من خمسة عشر مخالفة يقع فيها المجلس الأعلى للقضاء في محاكمة قاضيين) القاضي عبدالله بن حمود الريس

المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية
(أكثر من خمسة عشر مخالفة يقع فيها المجلس الأعلى للقضاء في محاكمة قاضيين)

بسم الله والحمد لله وبعد:

منذ مدة وأنا أرقب تصرفات المجلس الأعلى للقضاء وقراراته المعيبة ، ومحاولات رئيسه المكلف (وزير العدل) ليَّ أعناق النصوص النظامية وتطويعها واستخدام علاقاته  لخدمة نفوذه الشخصي دون مراعاة لأي مصلحة شرعية أو نظامية ، مما فاقم من حالة الإحباط واليأس لدى القضاة والمحامين وعموم الحقوقين ، وبت لا تحصي من تراه يتذمر من تصرفات معاليه وعنترياته ، وليس آخرها ما كتبه الإعلامي عبدالعزيز قاسم.

بالأمس تابعت هاشتاق #محاكمة_القاضي_آل_عبدالكريم الذي شارك فيه مجموعة كبيرة من ذوي الاهتمام من القضاة والمحامين والحقوقين وعموم الناس وبلغت التغريدات المئات خلال أقل من ساعة ،  فأسفت أن نقيم سيرة المجرمين ، في بلاد الموحدين، فنحاكم المصلحين وندع المجرمين!

دعنا من هذا كله .. تتبعت تفاصيل موضوع محاكمة الشيخين الفاضلين د.نايف القفاري والشيخ محمد العبدالكريم ومن مصادر من داخل المجلس الأعلى للقضاء ، بل من داخل دائرة التأديب لأكتشف وقوع أكثر من خمسة عشر مخالفة وقع فيها وزير العدل بنفسه أو بواسطة غيره ، سأسردها هنا حماية لاستقلال القضاء ، وصيانة للنظام الذي وضعه ولي الأمر أن تداس كرامته ، ومساهمة في حفظ القضاء الشرعي.

أما مختصر ما جرى من الشيخين فهو ممارسة حقهما الشخصي - كغيرهما من زملاءهما القضاة – في التعبير عن آرائهما ومطالبتهما وزير العدل بإصلاح القضاء وانفاذ مشروع  الملك عبدالله لتطوير القضاء الذي لم ينفذ منه شيء يذكر ، ولم يصرف حتى تاريخه من ستة مليارات مرصودة لتطوير القضاء منذ خمس سنوات سوى النزر اليسير ، لكنَّ وزير العدل رأى أن ذلك سوف يسبب له صداعاً مزمناً ، فآلا على نفسه إلا أن يكسر إرادة الإصلاح في نفوس القضاة عبر الترغيب والتخويف! فلما رأى أنهم ليسوا ممن عرض مبادئه وقيمه للبيع ، رفع العصا عبر دائرة التأديب ، لكنه وقع كعادته في أخطاء وبَوَاقع نظامية لا تجوز من مبتدأ في القانون ! فاشتكى الوزير إلى مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه تكليفاً وأصدر المجلس قراراً بالتحقيق مع الشيخين ، وشرع المحقق وقبل إكمال عمله أحال الموضوع إلى رئيس المجلس بدعوى امتناع القضاة من الجواب ، فأحالها معاليه إلى لجنة التأديب مباشرة ، وكتب رئيس التفتيش وعضو المجلس الدعوى التأديبية.

جمعت حتى هذه اللحظة أكثر من خمسة عشر مخالفة صريحة وقع فيها وزير العدل ومَن استخدمهم غفلةً منهم أو تغافلا أو تواطأ قذراً.

المخالفة الأولى : صدر قرار المجلس بالتحقيق مع الشيخين بناء على تدليس من وزير العدل على بقية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بأنه صدر من ولي الأمر (الملك حفظه الله وسدده) أمر بالتحقيق معهما ، أما حقيقة الحال فلا يوجد أمر ملكي ، والدليل على ذلك أن صورة الدعوى التأديبية التي رفعت على الشيخين وانتشرت صورتها بين القضاة لم يشرِ المدعي فيها إلى ذلك ، ولو كان موجوداً لرفع به عقيرته ، ولنشر صورته بين القضاة كما هو معتاد منه في أمورٍ أقل من هذا.

المخالفة الثانية: وبالتالي فإن قرار المجلس إنما صدر بناء على شكوى من وزير العدل ، لكنَّ هذه الشكوى لم تُتبع فيها الأوضاع المعتادة وفقا لما نصت عليه المادة (30) من لائحة التفتيش ، والتي نصت على أن تقدم الشكوى من صاحب الشأن نفسه أو من يمثله  ، فأيُّ شأنٍ لوزير العدل في كتابة قاضٍ في تويتر! وهل التزم معاليه بما ورد في الفقرة ب/2 من نفس المادة بذكر كافة المتعلقة به من ذكر (اسمه وإثبات هويته ، ومهنته أو وظيفته ، ومكان إقامته ، ومكان عمله  ـ  إن وجد  ـ  وعنوانه ، ورقم هاتفه...) أحسب أن التزامه بذلك لا يتماهي مع كبرياء معاليه.

المخالفة الثالثة: أن وزير العدل شارك في مداولات القرار الصادر من المجلس وشارك في إصداره ، رغم أنه هو الشاكي ، وكان المفترض وفقاً لأبسط مباديء العدالة ألا يحضر مداولات القرار ولا يشارك في إصداره ، وغني عن القول أن علة منع كافة الأنظمة من مشاركة ذي المصلحة في إصدار القرارات وحضور مداولاتها هي منعه من التأثير بقدرته الكلامية أو العاطفية أو غيرها على بقية الأعضاء حين إصدار القرار ، وتمكين ذوي الصفة من اتخاذ قرار بمحض إرادتهم بل إن المواد 91 و 92 من نظام المرافعات منعت القاضي من نظر بعض القضايا لمجرد صداقته لأحد الخصوم .

في النهاية صدر قرار معيب من المجلس بالتحقيق مع الشيخين ، وأصدر رئيس التفتيش تكليفاً لأحد المتفشين بإجراء التحقيق.

المخالفة الرابعة: شرع المحقق في التحقيق مع أصحاب الفضيلة وخالف المادة 34/ب من لائحة التفتيش الصادرة من المجلس الأعلى للقضاء  والتي نصت على ما يلي "ب ـ يقتصر المحقق عند إجراء التحقيق على الأمور المتصلة بواقعة الشكوى والكاشفة عن حقيقتها ." فتوسع في تحقيقه ليسأل أصحاب الفضيلة أسأل (بوليسية) تحمل اتهامات مبطنة ، يوضح ذلك أن التهمة المذكورة في لائحة الدعوى هي مخالفة الأمر الملكي بنهي القضاة عن استخدام وسائل الإعلام بصفتهم القضائية ، لكن المحقق شرع يسأل أصحاب الفضيلة عن مضمون التغريدات ، مما يعتبر تجاوزا صارخاً للحدود التي رسمتها لائحة التفتيش.

المخالفة الخامسة: وقوع تضليل واضح من قبل المحقق لدائرة التفتيش بأن أصحاب الفضيلة امتنعوا عن الجواب على أسئلته ، وذلك أنه بعد تقديم الأسئلة الملغومة للمشايخ واستعدادهم بالجواب ، وطلب المهلة النظامية ووفقاً لما ورد في المادة 41 من لائحة التفتيش ، ولم يمانع المفتش من ذلك في حينه، لكنه كتب في تقريره أن أصحاب الفضيلة امتنعوا عن الجواب؟! في سابقة غريبة عجيبة ، ثم أقر – أمام أعضاء لجنة التأديب- حين عقدت جلسة بعض المشايخ أنهم لم يمتنعوا.

المخالفة السادسة: ثم كتب رئيس المجلس المكلف (وزير العدل) إلى لجنة التأديب مباشرة بإجراء محاكمة لأصحاب الفضيلة ، والواجب نظاماً وفقاً لما نصت عليه المادة 39 الفقرة الثانية أن " تحيل الإدارة المحضر ومرافقاته إلى المجلس خلال (خمسة عشر) يوماً من تاريخ قيد المحضر لديها. ويصدر المجلس بعد الاطلاع على الأوراق قراره في هذا الشأن ." أي أن الواجب نظاماً أن يحال ملف التحقيق إلى المجلس مباشرة دون المرور برئيس المجلس خصوصا وهو مقدم الدعوى .

المخالفة السابعة:وكان قبول دائرة التأديب للدعوى دون قرار من المجلس مؤاخذه تدل على عدم حياد الدائرة ورغبتها في تنفيذ مآرب السيد الوزير! إذ كان الواجب على الدائرة رد الدعوى وعدم استقبالها.

المخالفة الثامنة: تقدم بالدعوى رئيس التفتيش القضائي ، رغم كونه عضواً في المجلس الأعلى للقضاء ، أي أن الأمر سيحال إليه – ضمن المجلس- للنظر فيه بعد انتهاء لجنة التأديب ، فكيف يكون مدعياً وحكماً في نفس الوقت ! وكان الواجب عليه أن ينيب غيره من المفتشين في تقديم الدعوى ، و لا يصح من متحذلق أن يقول إن لائحة التفتيش نصت في المادة التاسعة الفقرة ج على أن رئيس التفتيش هو الذي يتولى  الادعاء أو من ينيبه ، لأن الإنابة هنا واجبة ما دام أن رئيس التفتيش عضو في المجلس وفقا لما أشرنا إليه في مبادئ الحياد والاستقلال.

المخالفة التاسعة: دعوى رئيس التفتيش غير محررة بإقرار دائرة التأديب نفسها ! ومن يطلع على صورة الدعوى  التاديبية التي انتشرت بين أصحاب الفضيلة القضاة يدرك ذلك بوضوح ، فإذا عجز رئيس التفتيش عن تحرير ابسط الدعاوى فكيف يليق به أن يكون قاضياً فضلا ًعن أن يكون رئيسا للتفتيش القضائي!

المخالفة الحادية عشرة: لم تتضمن الدعوى الأدلة التي يستند إليها المحقق خلافاً لما نصت عليه المادة 60 من نظام القضاء (...ويجب أن تشتمل صحيفة الدعوى على المخالفة والأدلة المؤيدة لها ، وتصدر الدائرة قرارها بدعوة القاضي إلى الحضور أمامها .

المخالفة الثانية عشرة: لم تصدر الدائرة أي قرار بدعوة المشايخ للحضور لديها ، بل لم يتم إبلاغ المشايخ بموعد الجلسة الأولى ! ولم يتم إرسال صحيفة الدعوى ولا أدلة الاتهام في مخالفة صريحة للمادتين 60 و61 من نظام القضاء والتي نصت على ما يلي "...وتصدر الدائرة قرارها بدعوة القاضي إلى الحضور أمامها ..." "المادة الحادية والستون : إذا رأت دائرة التأديب وجهاً للسير في إجراءات الدعوى عن جميع المخالفات أو بعضها ، كلف القاضي ، بالحضور في ميعاد مناسب ، ويجب أن يشتمل التكليف بالحضور على بيان كاف بموضوع الدعوى وأدلة المخالفة . "

المخالفة الثالثة عشرة: نصت المادة 61 من نظام القضاء على أن يكلف القاضي بالحضور في ميعاد مناسب ، وأظن كل عاقل يفهم من "ميعاد مناسب " أن تكون المدة مناسبة ليقوم القاضي بدراسة القضية وإعداد دفاعه مع الأخذ في الاعتبار أن القاضي لا زال على رأس العمل ولديه مسؤوليات عمل ، وإذا أردنا مقارنة صغيرة فإن المنظم أوجب ألا تقل المدة في الدعاوى المدنية (الحقوقية) عن ثمانية أيام وفقا لنص المادة من نظام المرافعات (40)، وفي القضايا الجزائية أوجب أن يُحدد قبل الجلسة موعدٌ مناسب حسب المادة( 137)، أما في هذه الدعوى فإن أحد القاضيين حدد له جلسة لم يبلغ بها أصلاً ؟! ثم حدد له موعد آخر بعد الموعد الأول بيوم واحد أي أنه حدد له موعدان خلال ثلاثة أيام ؟!! هل بقي حياد للدائرة ؟

المخالفة الثالثة عشرة: سارت لجنة التأديب في الدعوى رغم أنها غير محررة وكان الواجب عليها أن تلزم المدعي بتحرير دعواه أولا قبل السير في الدعوى فإن عجز ردت الدعوى.

المخالفة الرابعة عشرة: طلب المدعي تكليف المشايخ بالجواب عن أسئلة المحقق ! أي أن رئيس التفتيش يطلب من دائرة التأديب أن تقوم بإجراء تحقيق وهو يعلم أن هذا الإجراء غير جائز ولا سائغ للدائرة إلا بعد موافقة المجلس على إجراء التحقيق وفقا لما نصت عليه المادة 60 من نظام القضاء "... ويجوز لدائرة التأديب - بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء -أن تجري ما تراه لازماً من التحقيقات ، ولها أن تكلف أحد أعضائها للقيام بذلك . واستجابت الدائرة لطلب المدعي!

المخالفة الخامسة عشرة: الشيخ نايف القفاري تقدم باستقالةٍ مشهورةٍ معروفةٍ لدى الجميع قبل مدة طويلة من بدء التحقيق ، ومن المقرر نظاماً أن القاضي إذا تقدم باستقالته فإن  الدعوى التأديبية تنقضي ولو كانت مرفوعة قبل تقديم الاستقالة وفقا لما نصت على  المادة الثالثة والستون "تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة القاضي ، ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجزائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة نفسها" فما السر وراء ملاحقة قاضٍ مستقيل.

لست بحاجة إلى أن أعيد القول في مسألة حق القاضي في الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي بصفته الشخصية ، فقد جرى بحثها مراراً في حينها ومنه ما ورد في مقالة الشيخ طالب آل طالب 


اختم هذه المقالة بأن من المقرر لدى جميع القانونيين أن النظام – وهو صادر أيضا بأمر ملكي- أقوى من الأوامر الملكية المجردة ، إذ الأنظمة تصدر وفقاً لإجراءات متعددة وطويلة ، بخلاف الأمر الملكي ،  فلو حصل تعارض بينهما قُدم النظام على الأمر الملكي المجرد بدون شك ، وبالتالي فإن مخالفة النظام تعتبر أشد من مخالفة أمر ملكي خصوصاً مع  الاجتهادات المتعددة في تفسيره والعمل به ، فمن الأولى اليوم بالمحاكمة وزير العدل الذي خالف عدداً من الأنظمة وجاهد لإهانة القضاء والقضاة أو رجال كتبوا نصحا لله ولرسوله؟!
استودعكم الله
القاضي
عبدالله بن حمود الريس

عبدالله التميمي مهتم بالشأن القضائي 25/10/1434 "كشف المتواري في محاكمة العبدالكريم والقفاري"

بسم الله الرحمن الرحيم

"كشف المتواري في محاكمة العبدالكريم والقفاري"
  
كنت عزمت على كتابة ملحوظات نظامية على الدعاوى التأديبية المرفوعة ضد القاضيين الفاضلين/ محمد بن عبدالعزيز العبدالكريم و د. نايف بن علي القفاري، فقد هالني حجم المخالفات والتجاوزات خصوصاً أنها صادرة من معقل القضاء ومن إدارة التفتيش تحديداً والمعنية أساساً بالتدقيق على أعمال القضاة ومدى عنايتهم بتطبيق الأنظمة والإجراءات، ويزيد العجب أن إدارة التفتيش برئاسة (خبير الفقه والقضاء بجامعة الدول العربية)!!!!
ولا أحسب أن مفتشاً منصفاً سيعطي الدعوى وما شابها من مخالفات واضحة لا يقع فيها ملازم قضائي وهو في أول تدريبه إلا درجة (٣٠) بل أقل.…
ثم اطلعت على مقالة الشيخ/ عبدالله الريس -وفقه الله- المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية 
فوجدته قد أحاط بغالب تلك المخالفات، وإلا فهي تزيد عن خمسة عشر مخالفة، وأحسب أن الشيخ الريس أراد عدم إملال القارئ من طول المقالة فاقتصر على ما ذكر وهي كافية في سقوط الدعوى الكيدية ضد القاضيين…لكنها روح الاستبداد والطغيان وشعور معاليه ومن معه أنهم فوق المساءلة والمحاسبة، وفوق أنظمة الدولة المرعية.
إلا أني ومع تأمل الحادثة، وكيف بدأت، وما آلت إليه…رأيت ألطاف الله تعالى وحكمته وسننه بادية ظاهرة…
فيا سبحان الله العليم الحكيم…فإنه إذا أخذ الظالم لم يفلته فيجعل اللعائن والقوارع تتوالى عليه فتصيبه أو تحل قريباً من داره، فتأمل كيف أراد الله فضح معاليه وكشف عواره للناس، فما مكّنه الله تعالى من التسلط على الشيخين الكريمين إلا بعد بزوغ نجمهما وفي أوج نقاءهما وصفاءهما وفي حال ظهور صدقهما ونصحهما، ليُظهر الله ظلمه وكيده وغدره، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة…ولا يهلك على الله إلا هالك.
وأحسب أن الله جلّ جلاله خذل معاليه حين ابتلاه بهذين القاضيين الفاضلين الناصحين اللذين وضع لهما القبول-أحسبهم كذلك والله حسيبهم- ليكونا مسرح الصراع بينه وبين كافة القضاة، حيث وقع اختياره على أبرز قاضيين من القضاة…فما تُذكر "العقوبات البديلة" إلا ويُذكر عرّابها ومحييها والداعم لها فضيلة الشيخ/ محمد العبدالكريم، وإن ذكرت "المحكمة العليا" كان من روادها فضيلة الشيخ/ د. نايف القفاري، مع كونه ليس عضواً فيها… إلا أن نبوغه وتميزه فرضا اسمه فيها، مع بزوغ نجمه في العلم والحفظ وهو على مقاعد الدراسة بمراحل البكالوريوس و الماجستير والدكتوراه.
هذا مع كونهما في أول السلم القضائي…فأحسب الله تعالى أراد كشف باطل معاليه وزيفه وانحرافه عن الحق بمواجهة نصاعة صفحة الداعين لرفعة القضاء وعلاج الخلل الذي يتسرب إليه، حتى أنه اضطر للتترس بغيره وتلويثهم بالقذر والزلل ليدفعوا عنه نور الحق الساطع الذي يُعمي خفافيش الظلام… فانكشف الغطاء، واستوى المسلك، وظهر للحق أعلاماً لا تشتبه، ومنائر لا تنهدم…فالحمد لله كثيراً.
وينبغي أن يعلم أولئك الذين استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا فأداروا ظهورهم لإخوانهم الذين يسعون لإصلاح القضاء حقاً، والذين يطالبون ليل نهار بتنفيذ مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، وولوا وجوههم لمن يعلمون خبث طويته، وفساد مطلبه، وسوء مطيته…أن الأيام دول، والليالي حُبلى…وأن يذكروا نعمة الله عليهم وما آتاهم من العلم، فما أحد باقٍ على حاله، ومن أزال العتاة الطغاة الظلمة من كراسيهم قادر على إزالة بقية البغاة المستبدين…وإنه لمن العار أن يتمندل بكم من علم القاصي والداني عدائه للقضاء وصروحه وتعمده إضعافه وإبطاء تقدمه…
وليعلم الجميع أن التحقيق مع صاحبي الفضيلة ليس هو الوحيد بل ابتدأ المجلس برعاية المكلف بحملة تحقيقات لأسباب هي أوهى من بيت العنكبوت مع تجاوزات واضحة لنظام القضاء ولائحة التفتيش القضائي…
وإني مذكرٌ من له أي علاقة بمثل هذه المهازل والفضائح من القضاة بتفتيش وتحقيق ومحاكمة، أذكركم بما كان يصيبكم من وجل القلب ورجفة اليد وعظيم الإشفاق على النفس…من أن تزل بكم الأهواء أو طيش المشاعر أو الغلو في التدقيق والتمحيص فتوقعكم في ظلم الناس وإعناتهم…فإن الظلم في هذه التحقيقات الجارية ظاهر للعيان، ومطلٌ بين قرني شيطان…في قضايا كيدية حيكت شباكها تحت سمعكم وبصركم ويُراد أن تلوث ذممكم وضمائركم وأيديكم بقبحها ونتنها، فأي ظلمٍ كنتم تهربون منه بالأمس وأنتم تلاقونه اليوم، وأي زلة كنتم تحاذرونها وأنتم ساقطون على الأرض منها منكشفة سؤة الجور والبغي…
ولا أحد ضد محاكمة المخطئ والمقصر دون انتقاء أو تصيد فضلاً عن المجانف للحق، وليس من هذا شيء في هؤلاء الأعلام النزهاء النصحاء أصحاب الأيادي البيضاء على القضاء والقضاة بشهادة الصادقين.
ويا أيها القضاة الصادقون الناصحون…أبشروا وأمّلوا خيراً، فقد كشفت لكم الحوادث وجوهاً كالحة، وأصواتاً نشازاً، وإن كان للباطل جولة، فإن للحق صولة…فأجمعوا أمركم ثم أتوا صفاً، وأقبلوا على النفوس بإصلاحها بطاعة الله وتعاهد خللها ونقصها، واللجوء إلى الله القدير ليكشف الحقائق ويزيح السُتر عن المكائد، ثم تواصلوا مع ولاة الأمر ببيان الخطر وفضح الزيف بأقلامكم وألسنتكم…ولتعلموا أن ما حصل إنما بعلم الله…فأنتم بعلم الله راضون، وهم بعلم الله يُفتنون "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ"


عبدالله التميمي                                         المصدر
مهتم بالشأن القضائي

25/10/1434