الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية (أكثر من خمسة عشر مخالفة يقع فيها المجلس الأعلى للقضاء في محاكمة قاضيين) القاضي عبدالله بن حمود الريس

المخالفات القضائية والنظامية في الدعوى التأديبية
(أكثر من خمسة عشر مخالفة يقع فيها المجلس الأعلى للقضاء في محاكمة قاضيين)

بسم الله والحمد لله وبعد:

منذ مدة وأنا أرقب تصرفات المجلس الأعلى للقضاء وقراراته المعيبة ، ومحاولات رئيسه المكلف (وزير العدل) ليَّ أعناق النصوص النظامية وتطويعها واستخدام علاقاته  لخدمة نفوذه الشخصي دون مراعاة لأي مصلحة شرعية أو نظامية ، مما فاقم من حالة الإحباط واليأس لدى القضاة والمحامين وعموم الحقوقين ، وبت لا تحصي من تراه يتذمر من تصرفات معاليه وعنترياته ، وليس آخرها ما كتبه الإعلامي عبدالعزيز قاسم.

بالأمس تابعت هاشتاق #محاكمة_القاضي_آل_عبدالكريم الذي شارك فيه مجموعة كبيرة من ذوي الاهتمام من القضاة والمحامين والحقوقين وعموم الناس وبلغت التغريدات المئات خلال أقل من ساعة ،  فأسفت أن نقيم سيرة المجرمين ، في بلاد الموحدين، فنحاكم المصلحين وندع المجرمين!

دعنا من هذا كله .. تتبعت تفاصيل موضوع محاكمة الشيخين الفاضلين د.نايف القفاري والشيخ محمد العبدالكريم ومن مصادر من داخل المجلس الأعلى للقضاء ، بل من داخل دائرة التأديب لأكتشف وقوع أكثر من خمسة عشر مخالفة وقع فيها وزير العدل بنفسه أو بواسطة غيره ، سأسردها هنا حماية لاستقلال القضاء ، وصيانة للنظام الذي وضعه ولي الأمر أن تداس كرامته ، ومساهمة في حفظ القضاء الشرعي.

أما مختصر ما جرى من الشيخين فهو ممارسة حقهما الشخصي - كغيرهما من زملاءهما القضاة – في التعبير عن آرائهما ومطالبتهما وزير العدل بإصلاح القضاء وانفاذ مشروع  الملك عبدالله لتطوير القضاء الذي لم ينفذ منه شيء يذكر ، ولم يصرف حتى تاريخه من ستة مليارات مرصودة لتطوير القضاء منذ خمس سنوات سوى النزر اليسير ، لكنَّ وزير العدل رأى أن ذلك سوف يسبب له صداعاً مزمناً ، فآلا على نفسه إلا أن يكسر إرادة الإصلاح في نفوس القضاة عبر الترغيب والتخويف! فلما رأى أنهم ليسوا ممن عرض مبادئه وقيمه للبيع ، رفع العصا عبر دائرة التأديب ، لكنه وقع كعادته في أخطاء وبَوَاقع نظامية لا تجوز من مبتدأ في القانون ! فاشتكى الوزير إلى مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه تكليفاً وأصدر المجلس قراراً بالتحقيق مع الشيخين ، وشرع المحقق وقبل إكمال عمله أحال الموضوع إلى رئيس المجلس بدعوى امتناع القضاة من الجواب ، فأحالها معاليه إلى لجنة التأديب مباشرة ، وكتب رئيس التفتيش وعضو المجلس الدعوى التأديبية.

جمعت حتى هذه اللحظة أكثر من خمسة عشر مخالفة صريحة وقع فيها وزير العدل ومَن استخدمهم غفلةً منهم أو تغافلا أو تواطأ قذراً.

المخالفة الأولى : صدر قرار المجلس بالتحقيق مع الشيخين بناء على تدليس من وزير العدل على بقية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بأنه صدر من ولي الأمر (الملك حفظه الله وسدده) أمر بالتحقيق معهما ، أما حقيقة الحال فلا يوجد أمر ملكي ، والدليل على ذلك أن صورة الدعوى التأديبية التي رفعت على الشيخين وانتشرت صورتها بين القضاة لم يشرِ المدعي فيها إلى ذلك ، ولو كان موجوداً لرفع به عقيرته ، ولنشر صورته بين القضاة كما هو معتاد منه في أمورٍ أقل من هذا.

المخالفة الثانية: وبالتالي فإن قرار المجلس إنما صدر بناء على شكوى من وزير العدل ، لكنَّ هذه الشكوى لم تُتبع فيها الأوضاع المعتادة وفقا لما نصت عليه المادة (30) من لائحة التفتيش ، والتي نصت على أن تقدم الشكوى من صاحب الشأن نفسه أو من يمثله  ، فأيُّ شأنٍ لوزير العدل في كتابة قاضٍ في تويتر! وهل التزم معاليه بما ورد في الفقرة ب/2 من نفس المادة بذكر كافة المتعلقة به من ذكر (اسمه وإثبات هويته ، ومهنته أو وظيفته ، ومكان إقامته ، ومكان عمله  ـ  إن وجد  ـ  وعنوانه ، ورقم هاتفه...) أحسب أن التزامه بذلك لا يتماهي مع كبرياء معاليه.

المخالفة الثالثة: أن وزير العدل شارك في مداولات القرار الصادر من المجلس وشارك في إصداره ، رغم أنه هو الشاكي ، وكان المفترض وفقاً لأبسط مباديء العدالة ألا يحضر مداولات القرار ولا يشارك في إصداره ، وغني عن القول أن علة منع كافة الأنظمة من مشاركة ذي المصلحة في إصدار القرارات وحضور مداولاتها هي منعه من التأثير بقدرته الكلامية أو العاطفية أو غيرها على بقية الأعضاء حين إصدار القرار ، وتمكين ذوي الصفة من اتخاذ قرار بمحض إرادتهم بل إن المواد 91 و 92 من نظام المرافعات منعت القاضي من نظر بعض القضايا لمجرد صداقته لأحد الخصوم .

في النهاية صدر قرار معيب من المجلس بالتحقيق مع الشيخين ، وأصدر رئيس التفتيش تكليفاً لأحد المتفشين بإجراء التحقيق.

المخالفة الرابعة: شرع المحقق في التحقيق مع أصحاب الفضيلة وخالف المادة 34/ب من لائحة التفتيش الصادرة من المجلس الأعلى للقضاء  والتي نصت على ما يلي "ب ـ يقتصر المحقق عند إجراء التحقيق على الأمور المتصلة بواقعة الشكوى والكاشفة عن حقيقتها ." فتوسع في تحقيقه ليسأل أصحاب الفضيلة أسأل (بوليسية) تحمل اتهامات مبطنة ، يوضح ذلك أن التهمة المذكورة في لائحة الدعوى هي مخالفة الأمر الملكي بنهي القضاة عن استخدام وسائل الإعلام بصفتهم القضائية ، لكن المحقق شرع يسأل أصحاب الفضيلة عن مضمون التغريدات ، مما يعتبر تجاوزا صارخاً للحدود التي رسمتها لائحة التفتيش.

المخالفة الخامسة: وقوع تضليل واضح من قبل المحقق لدائرة التفتيش بأن أصحاب الفضيلة امتنعوا عن الجواب على أسئلته ، وذلك أنه بعد تقديم الأسئلة الملغومة للمشايخ واستعدادهم بالجواب ، وطلب المهلة النظامية ووفقاً لما ورد في المادة 41 من لائحة التفتيش ، ولم يمانع المفتش من ذلك في حينه، لكنه كتب في تقريره أن أصحاب الفضيلة امتنعوا عن الجواب؟! في سابقة غريبة عجيبة ، ثم أقر – أمام أعضاء لجنة التأديب- حين عقدت جلسة بعض المشايخ أنهم لم يمتنعوا.

المخالفة السادسة: ثم كتب رئيس المجلس المكلف (وزير العدل) إلى لجنة التأديب مباشرة بإجراء محاكمة لأصحاب الفضيلة ، والواجب نظاماً وفقاً لما نصت عليه المادة 39 الفقرة الثانية أن " تحيل الإدارة المحضر ومرافقاته إلى المجلس خلال (خمسة عشر) يوماً من تاريخ قيد المحضر لديها. ويصدر المجلس بعد الاطلاع على الأوراق قراره في هذا الشأن ." أي أن الواجب نظاماً أن يحال ملف التحقيق إلى المجلس مباشرة دون المرور برئيس المجلس خصوصا وهو مقدم الدعوى .

المخالفة السابعة:وكان قبول دائرة التأديب للدعوى دون قرار من المجلس مؤاخذه تدل على عدم حياد الدائرة ورغبتها في تنفيذ مآرب السيد الوزير! إذ كان الواجب على الدائرة رد الدعوى وعدم استقبالها.

المخالفة الثامنة: تقدم بالدعوى رئيس التفتيش القضائي ، رغم كونه عضواً في المجلس الأعلى للقضاء ، أي أن الأمر سيحال إليه – ضمن المجلس- للنظر فيه بعد انتهاء لجنة التأديب ، فكيف يكون مدعياً وحكماً في نفس الوقت ! وكان الواجب عليه أن ينيب غيره من المفتشين في تقديم الدعوى ، و لا يصح من متحذلق أن يقول إن لائحة التفتيش نصت في المادة التاسعة الفقرة ج على أن رئيس التفتيش هو الذي يتولى  الادعاء أو من ينيبه ، لأن الإنابة هنا واجبة ما دام أن رئيس التفتيش عضو في المجلس وفقا لما أشرنا إليه في مبادئ الحياد والاستقلال.

المخالفة التاسعة: دعوى رئيس التفتيش غير محررة بإقرار دائرة التأديب نفسها ! ومن يطلع على صورة الدعوى  التاديبية التي انتشرت بين أصحاب الفضيلة القضاة يدرك ذلك بوضوح ، فإذا عجز رئيس التفتيش عن تحرير ابسط الدعاوى فكيف يليق به أن يكون قاضياً فضلا ًعن أن يكون رئيسا للتفتيش القضائي!

المخالفة الحادية عشرة: لم تتضمن الدعوى الأدلة التي يستند إليها المحقق خلافاً لما نصت عليه المادة 60 من نظام القضاء (...ويجب أن تشتمل صحيفة الدعوى على المخالفة والأدلة المؤيدة لها ، وتصدر الدائرة قرارها بدعوة القاضي إلى الحضور أمامها .

المخالفة الثانية عشرة: لم تصدر الدائرة أي قرار بدعوة المشايخ للحضور لديها ، بل لم يتم إبلاغ المشايخ بموعد الجلسة الأولى ! ولم يتم إرسال صحيفة الدعوى ولا أدلة الاتهام في مخالفة صريحة للمادتين 60 و61 من نظام القضاء والتي نصت على ما يلي "...وتصدر الدائرة قرارها بدعوة القاضي إلى الحضور أمامها ..." "المادة الحادية والستون : إذا رأت دائرة التأديب وجهاً للسير في إجراءات الدعوى عن جميع المخالفات أو بعضها ، كلف القاضي ، بالحضور في ميعاد مناسب ، ويجب أن يشتمل التكليف بالحضور على بيان كاف بموضوع الدعوى وأدلة المخالفة . "

المخالفة الثالثة عشرة: نصت المادة 61 من نظام القضاء على أن يكلف القاضي بالحضور في ميعاد مناسب ، وأظن كل عاقل يفهم من "ميعاد مناسب " أن تكون المدة مناسبة ليقوم القاضي بدراسة القضية وإعداد دفاعه مع الأخذ في الاعتبار أن القاضي لا زال على رأس العمل ولديه مسؤوليات عمل ، وإذا أردنا مقارنة صغيرة فإن المنظم أوجب ألا تقل المدة في الدعاوى المدنية (الحقوقية) عن ثمانية أيام وفقا لنص المادة من نظام المرافعات (40)، وفي القضايا الجزائية أوجب أن يُحدد قبل الجلسة موعدٌ مناسب حسب المادة( 137)، أما في هذه الدعوى فإن أحد القاضيين حدد له جلسة لم يبلغ بها أصلاً ؟! ثم حدد له موعد آخر بعد الموعد الأول بيوم واحد أي أنه حدد له موعدان خلال ثلاثة أيام ؟!! هل بقي حياد للدائرة ؟

المخالفة الثالثة عشرة: سارت لجنة التأديب في الدعوى رغم أنها غير محررة وكان الواجب عليها أن تلزم المدعي بتحرير دعواه أولا قبل السير في الدعوى فإن عجز ردت الدعوى.

المخالفة الرابعة عشرة: طلب المدعي تكليف المشايخ بالجواب عن أسئلة المحقق ! أي أن رئيس التفتيش يطلب من دائرة التأديب أن تقوم بإجراء تحقيق وهو يعلم أن هذا الإجراء غير جائز ولا سائغ للدائرة إلا بعد موافقة المجلس على إجراء التحقيق وفقا لما نصت عليه المادة 60 من نظام القضاء "... ويجوز لدائرة التأديب - بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء -أن تجري ما تراه لازماً من التحقيقات ، ولها أن تكلف أحد أعضائها للقيام بذلك . واستجابت الدائرة لطلب المدعي!

المخالفة الخامسة عشرة: الشيخ نايف القفاري تقدم باستقالةٍ مشهورةٍ معروفةٍ لدى الجميع قبل مدة طويلة من بدء التحقيق ، ومن المقرر نظاماً أن القاضي إذا تقدم باستقالته فإن  الدعوى التأديبية تنقضي ولو كانت مرفوعة قبل تقديم الاستقالة وفقا لما نصت على  المادة الثالثة والستون "تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة القاضي ، ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجزائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة نفسها" فما السر وراء ملاحقة قاضٍ مستقيل.

لست بحاجة إلى أن أعيد القول في مسألة حق القاضي في الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي بصفته الشخصية ، فقد جرى بحثها مراراً في حينها ومنه ما ورد في مقالة الشيخ طالب آل طالب 


اختم هذه المقالة بأن من المقرر لدى جميع القانونيين أن النظام – وهو صادر أيضا بأمر ملكي- أقوى من الأوامر الملكية المجردة ، إذ الأنظمة تصدر وفقاً لإجراءات متعددة وطويلة ، بخلاف الأمر الملكي ،  فلو حصل تعارض بينهما قُدم النظام على الأمر الملكي المجرد بدون شك ، وبالتالي فإن مخالفة النظام تعتبر أشد من مخالفة أمر ملكي خصوصاً مع  الاجتهادات المتعددة في تفسيره والعمل به ، فمن الأولى اليوم بالمحاكمة وزير العدل الذي خالف عدداً من الأنظمة وجاهد لإهانة القضاء والقضاة أو رجال كتبوا نصحا لله ولرسوله؟!
استودعكم الله
القاضي
عبدالله بن حمود الريس